رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

صحفات من تاريخ الوطن (٤٠)

العمامة المستنيرة.. هو عنوان لدراسة أكاديمية صدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة للمفكر الكبير الدكتور أحمد سالم-أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة طنطا- حول تجديد فكر الخطاب الدينى عند الشيخ الأزهرى عبدالمتعال الصعيدى.

عزيزى القارئ..

اسمح لى قبل أن نسافر معا فى رحلة قصيرة عبر هذه الدراسة الشائقة للتعرف على بعض من تفاصيلها، وأهم قضاياها وإشكاليتها أن أعرفك بالشيخ عبدالمتعال الصعيدى صاحب العمامة المستنيرة، والذى كان واحدًا ممن أثاروا الجدل والتساؤلات داخل أروقة الأزهر الشريف بأفكاره المستنيرة، والداعية إلى التطور والتجديد فى كافة القضايا الدينية والدنيوية، مقتديًا ومتصلًا بشيخه الإمام محمد عبده.

هو شيخ أزهرى معمم، ولد فى أواخر القرن قبل الماضى، سنة 1894، وتوفى سنة 1966، عن عمر ناهز 72 عاما، قضى أغلبها فى البحث والاطلاع، والمعارك الفكرية، وأصدر خلالها 49 كتابا، أبرزها «الحرية الدينية فى الإسلام»، و«حرية الفكر فى الإسلام»، و«المجددون فى الإسلام»، و«قضية مجاهد فى الإصلاح»،و«تاريخ إصلاح الأزهر»، و«لماذا أنا مسلم»، فضلا عن 20 مخطوطا لكتب أهداها للأزهر، منها «رسالة فى الحدود الإسلامية»، لكنها لم تنشر.

خلال تواجدى بالمكتبة المركزية بجامعة القاهرة للبحث والمطالعة وقعت بالصدفة البحتة بين يدى دراسة بعنوان «العمامة المستنيرة.. تجديد الخطاب الدينى فى فكر عبدالمتعال الصعيدى» للمفكر الكبير الدكتور أحمد سالم -أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة طنطا- وأثناء مطالعتى لهذه الدراسة المتميزة تعرضت للعديد من الإشكاليات والقضايا الكبرى التى تطرّق لها الشيخ عبدالمتعال الصعيدى فى إطار معركته، فضلًا عن معاناته مع محاكم التّفتيش، ومحاولة فصله من الأزهر وتكفيره علناً، ومطالبته بالاستتابة كما يُستتاب المرتد.

ولكن..

السطور القليلة القادمة لن تسعفنى لكى أعرض بالتفصيل كافة هذه الإشكاليات والقضايا التى تعرضت لها الدراسة حول فكر الشيخ عبدالمتعال الصعيدى، ولكن سأحاول أن أستعرض بعضا منها ليس ردًا على أقاويل، ومزاعم البعض من دعاة الدين، وإنما ظنًا منى أننى أستطيع من خلالها أن ألفت النظر لإحياء تراث الشيخ وأمثاله من المجددين، المعبر عن روح العصر والتقدم، وظنًا منى أيضًا أننا نحتاجه الآن كسلاح للعقل ونحن على أعتاب جمهوريتنا الجديدة.

ولنبدأ الرحلة..

«فلكلّ إنسان أن يعتقد ما يشاء فى الدنيا، وحسابه على الله تعالى فى الآخرة، وليس من حقّنا أن نحاسبه بشىء على ما يعتقده؛ لأنّه إنسان عاقل يتحمّل مسئولية اعتقاده، ولا نتحملها عنه نحن».

«فتح الإسلام للعلماء باب الاجتهاد فى الدين فأعطى للعقل سلطانه على دليل النقل يستنبط منه ما يشاء من أحكام الدنيا والآخرة، ويدخل فيه ما يلزم من التأويل، ومن التخصيص والتعميم، ومن التقييد والإطلاق، ومن ضروب الاجتهاد، حتى يهيئه للحكم الذى اتفقا فيه من الغاية وهى سعادة الناس فى دنياهم وأخراهم، وحتى لا يكون على الناس حرج فى الدين، لأن الدين يسر لا عسر، وتسهيل لا إعنات، وإسعاد لا إشقاء».

«هل فقهنا اليومى يفى بحاجاتنا فى هذا العصر الذى وُجد فيه من الحوادث فى باب المعاملات من بيوع وشركات وغيرها ما لا يُحصي؟ نحن لا نزال نقرؤه فى كتاب أبى شجاع، وغيره مما مضت عليه عدة قرون اللهم.. لا يفى بذلك،ولا يصح أن نغالط أنفسنا بعد أن ترك العمل به معظم الدول الإسلامية».

عزيزى القارئ..

ما سبق كان بعضًا من آراء الشيخ عبدالمتعال الصعيدى وطريقته فى التفكير، والتى كان من الطبيعى أن يُتّهم ويعاقب بها من جانب المتكلمين التقليديين، الذين انتفضوا ضد أبحاثه حفاظًا على مدرستهم الجامدة، فى تناول القضايا التشريعية وعلاقتها المتصلة بمناحى الحياة الاجتماعية والسياسية، فعقدوا له محاكمة فى ثلاثينيات القرن الماضى، تشكلت من كبار علماء الأزهر الشريف؛ من الشيخ عبدالمجيد اللبان (القريب من جماعة الإخوان)، والشيخ محمد مأمون الشناوى، ورئاسة الشيخ محمد عبداللطيف الفحام، فكفّر الشيخ اللبان الشيخ الصعيدى، وطلب أن يُستتاب كما يُستتاب المرتد، ورأى الشيخ الفحام أنّه لا يستحق هذه العقوبة، وأنّه أراد التخفيف على الناس، ورأى الشيخ الشناوى أن يُنقل من كونه مدرّسًا فى كلية اللغة العربية، إلى قسم المعاهد الأزهرية فى طنطا، ووقف ترقيته لمدة خمسة أعوام.

وأخيرًا..

إذا كان الشيخ قد مات وفى نفسه غصة من أنه لم ينل ما يريد، فعزاؤه أن الصالح من أفكاره لم يمت، وظل يعمل فى موته كما كان يعمل فى حياته.

رحم الله الشيخ المستنير