رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

لم يكن ما يجرى فى السودان من صراع مسلح، يوشك أن يكمل أسبوعه الثانى، بين قوات الجيش النظامى وقوات الدعم السريع أمرًا مفاجئًا. وعلى مدار نحو 67 عامًا من استقلال السودان، فشلت النخب السياسية فى الحكم والمعارضة فى بناء أسس راسخة لمؤسسات الدولة الوطنية الحديثة، وعجزت بسبب الصراع على السلطة والهيمنة والنفوذ المالى والسياسى والطائفى والدينى،عن إقامة نظام سياسى، يصون ثراء تعدد البلاد الإثنى والثقافى والدينى واللغوى والقومى، ويوظف ثرواتها الطبيعية الطائلة من البترول والذهب واليورانيوم والمعادن الثمينة والمياه الوافرة والأراضى الخصبة فى مشاريع تنموية، ترسى قواعد للعدالة الاجتماعية بين كافة الأقاليم وتحقق لمواطنيها السلم الأمنى والاجتماعى والسياسى.

ما كان متوقعًا قد حدث. قتل مفاجئ فى حادث طائرة غامض مشكوك فى براءته، للزعيم الجنوبى الوحدوى «جون قرنق» النائب الأول لرئيس الجمهورية والنقيب السابق فى الجيش السودانى، وزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، بما عزز فرصًا هائلة لانفصال جنوب السودان عن شماله. وجاء انفصال الجنوب، بعد استفتاء معروف سلفًا، نتيجته التى آلت إليه، بعد إصرار جماعة الإخوان السودانية المسيطرة على مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والرئاسية، على تطبيق قوانين الشريعة التى كان زعيمها «حسن الترابى» قد فصلها على مقاسها فى عهد النميرى، على الجنوبيين، وغالبيتهم من المسيحيين واللادنيين والوثنيين. وحينها أعلن رئيس الجمهورية «عمر البشير» أنه اختار الشريعة، فى مفاضلة فرضها على نفسه، بينها وبين فصل الجنوب.

وبعد أكثر من عشرة أعوام على تأسيسها، لا يزال الصراع القبلى المسلح ينهش أركان الدولة الجنوبية. وبعدما كان النزوح فى الماضى من الشمال للجنوب، انعكس الحال مع تدهور البنى التحتية وانتشار الفقر، وتراكم النزاعات المسلحة، وباتت أعداد كبيرة من الجنوبيين تنزح نحو الشمال هربًا من الحروب، وبحثًا عن الاستقرار. لكن الشمال لم يستقر، فقد تعددت فى فى ولاياته فى الغرب والشرق والوسط، الحركات المسلحة، وباتت قيادتها تتطلع بدورها للانفصال، حتى لو وقعت على اتفاقيات جوبا مع الحكومة المركزية، بعد سقوط نظام البشير، التى تقبل فيها بحل ميليشياتها المسلحة وانخراط مقاتليها فى صفوف الجيش الوطنى السودانى، والمشاركة فى السلطة. فمعظم تلك الحركات المسلحة تعمل تحت مظلة دعم مالى وعسكرى من دول إقليمية وغربية تسعى عبر تنبى تلك الحركات، لمفاقة مصالها على الأرض السودانية. وساعد ذلك على تناسل تلك الحركات، وتعدد انشقاقاتها، وأضحى من الصعب أن تتخلى عن مكاسبها، مع أن القوى الاجتماعية التى تزعم التحدث باسمها لم تأخذ أيًا من حقوقها المشروعة!

أسهمت القوى الحزبية والسياسية التى شاركت فى رحيل البشير عن السلطة فى صناعة الوضع العبثى الذى آل إليه السودان الآن. وخلال أربع سنوات، افتعلت تلك القوى صراعًا مع المؤسسة العسكرية، بين ما صار يعرف بالمكون المدنى الذى تنسب إليه صفات الديمقراطية والثورية، والمكون العسكرى الذى لا يرى الأول فيه أى فضيلة. تجاهلت تلك القوى التى انقسمت بدورها ولم تكن موحدة، أن «البشير» سقط، لكن نظام جماعة الإخوان الذى أرسى دعائمه على مدار ثلاثين عامًا، لا يزال راسخ الجذور فى مؤسسات الدولة والحكم، وأن الأوضاع الداخلية لم تأخذ فرصة للاستقرار. كما أنكرت على مؤسسة الجيش دورها الحاسم فى الإطاحة بالبشير، وبالغت فى أخطائها، وأخذت تخوض صراعًا لا يهدأ، حول محاصة تقاسم السلطة بين المكونين، زعما بالسير نحو التحول السلمى الديمقراطى!

الكل مدان فى الساحة السودانية، ووقف إطلاق النار والصراع المسلح هدف إنسانى لحماية أرواح الشعب السودانى، الذى يدفع الآن أثمانًا فادحة لاختيارت سياسية مختلة وهشة، لم يشارك فى صنعها. لكن إنهاء الصراع المسلح، وإصمات صوت المدافع لن يحل مشكلات السودان المتراكمة. وبعد نحو أسبوعين تعقد القمة العربية فى العاصمة السعودية الرياض. فإذا ما أدرك العرب، أنهم غير بعيدين عن شظايا مدافع الخرطوم، فعليهم بصياغة مبادرة عربية تقبل بها كل الأطراف فى الساحة السودانية، لحرمان تجار الحروب من مكاسبهم.