رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

عندما تنشب معركة بين الأشقاء على ميراث أرض أو نفوذ وسلطة من أطماع الدنيا، لا ينسحب الأخ الأكبر ويهز كتفيه فى لا مبالاة ويقول «وأنا مالى» فليحترقوا وليقضِ بعضهم على بعض طالما الأمر لا يمس حقى ولا نفوذ سلطتى؛ لأن الأخ الأكبر يشعر بالمسئولية عن إفشاء السلام والمحبة بين إخوته، وهكذا جُبلت مصر منذ نشأة التاريخ على تحمل دور الأخ الأكبر فى المنطقة العربية والإقليم كله، وغنى عن التعريف دور مصر فى حركات تحرر هذه الدول من الاستعمار القديم، وجهودها المضنية الحديثة لحمايتها من الاستعمار الحديث وأعنى به استعمار المصالح والتغلغل الاقتصادى من دول أجنبية وغربية على حساب الشعوب العربية والإفريقية، وما يرافق هذه المصالح من إثارة الفتن والنعرات القبلية والاقتتال الداخلى لاستنزاف قوى هذه الشعوب، وحتى تحصد الدول الغربية ثمار هذه الصراعات بدءًا من بيع السلاح، مرورًا بتدخلها فى سيادات هذه الدول وصولًا إلى استثمارها المليارات فى عمليات إعادة البناء والتعمير فيما تم تخريبه بأسلحتها وبخطتها الاستعمارية الحديثة، والتى تعتمد على مبدأ « دعهم يقتلوا بعضهم ويخربوا أوطانهم بأيديهم لنحصد الثمار دون خسارة رصاصة أو جندى واحد من أولادنا».

فى الوضع السودانى المؤسف الحالى، كان من السهل على مصر منذ أول لحظة أن تسحب سفيرها والفريق الدبلوماسى وتغلق سفارتها، وترسل الطائرات لإجلاء رعاياها من العاملين والطلاب والقوات المتواجدة على الأراضى السودانية سواء للمناورات أو للتدريب المشترك مع القوات النظامية السودانية أو لأى سبب آخر غير معلن من الدولتين، وأن تحذو مصر حذو الدول الغربية التى بادرت بفعل ذلك.

ولكن الوضع بالنسبة لمصر أكبر من ذلك بكثير، الوضع شائك وحساس، لا يمكن لمصر معه أن تهز كتفيها، وتكتفى بتأمين حدودها الجنوبية، وتتجاهل ما يدور هناك من نزيف دماء السودانيين، الأمر أكبر وأخطر، الأمر متعلق بأمن وسلامة ووحدة دولة شقيقة تعبث بها أيادى خفية، على غرار ما حدث من انفصال فى الجنوب ومذابح سابقة للمدنيين على أيدى ميلشيات متصارعة فى عقود ماضية، الأمر بالنسبة لمصر أمن شعب شقيق، أمن إقليم بأكمله، وأمن حدودنا الجنوبية، ومصر تتحمل على مدى عقود هذا الدور الأمنى والسياسى بل والاقتصادى لدعم الشعب السودانى، فيكفى الإشارة إلى وجود خمسة ملايين سودانى يعيشون على أرض مصر ويتمتعون بكامل حقوق الأشقاء، وأكثر من 22 ألف طالب سنويا يفدون لمصر للدراسة مع إعفاء تسعين بالمائة منهم من رسوم الدراسة كرمًا وحرصًا على تعليم أبناء الشعب الشقيق، وفى المقابل لا يوجد أكثر من 50 الف مصرى فى السودان، وقرابة خمسة آلاف طالب.

للأسف مصر تحاول أن تقوم بدورها الآن تجاه الشعب الشقيق وهى تقف على صفيح ساخن، فهى لا تريد التدخل لدعم جانب ضد الآخر، وفى نفس الوقت لا يمكنها أن تقف متفرجة على نزيف الدماء بين الفريقين، جهود سياسية ومساعِ دبلوماسية تبذلها مصر فى العلن وفى الخفاء لتهدئة الصراع ونزع فتيل الأزمة بين الأصدقاء الذين صاروا أعداءً، فصداقة قائد الجيش السودانى عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد دقلو (حميدتي)، التى استمرت على وفاق أكثر من عقدين مع بداية النزاع فى إقليم دارفور عام 2003 إبان حكم عمر البشير، انتهت هذه الصداقة الآن إلى مواجهة بالرصاص، ليتأكد معها عرف السياسى «لا صديق دائم ولا عدو إلى الأبد» وعرف عسكرى بأن السماح بوجود أى قوة عسكرية أو أمنية موازية للقوات النظامية، ليس سوى شوكة بل سلاح خطر سيغرس فى ظهر الدولة آجلًا أو عاجلًا ليقصمها ويفتت قوتها ويسيل دماء شعبها، وهو أمر نجت منه مصر إبان عهد الإخوان الأسود.

قلوبنا مع شعب السودان وجيشها النظامى، قلوبنا مع القيادة المصرية، ونتعلق بحكمتها فى التعامل مع ما يدور فى السودان دون أن نزج بقواتنا المسلحة بالطبع فى هذا الصراع، الموقف شائك ومعقد، والتزام الحكمة أمر ضرورى فكل تحرك مصرى محسوب لنا وعلينا، والله مدبر أمره.

 

[email protected]