رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

لو سألنى أحدهم عن كتاب كنت تتمنى أن تكون مؤلفه؟ لقلت على الفور: «رجال حول الرسول» للكاتب الاسلامى الكبير المرحوم خالد محمد خالد، وما ذلك إلا لأنه قدم بٍأسلوب سلس وقص ممتع حياة ستين صحابيا من صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، موضحا كيف كانت حياتهم علامة فارقة فى تاريخ البشرية؛ فهؤلاء الرجال الأفذاذ الذين آمنوا بالله ربا وبمحمد رسولا لم يكونوا مجرد أفرادا فى زمرة المؤمنين بل كانوا القدوة التى تغير بها وجه العالم آنذاك إذ أن التاريخ لم يشهد رجالا عقدوا عزمهم ونواياهم على غاية تناهت فى العدالة والسمو ثم نذروا لها حياتهم على نسق تناهى فى الجسارة والتضحية والبذل كما شهد أولئك الرجال حول الرسول.

 لقد كتبت منذ فترة طويلة كتابا يضاهيه بعنوان «فلاسفة أيقظوا العالم» للرد على من يهاجمون الفلسفة والفلاسفة وللبرهنة على الدور الكبير الذى قام به الفلاسفة بما قدموه من رؤى وأفكار فلسفية أثرت فى البشر وأنارت حياتهم وحضارتهم عبر الأجيال والعصور. وما أجدر هؤلاء الرجال حول الرسول بأن يلقبوا  برجال أيقظوا العالم وغيروا وجه التاريخ الانسانى، فلقد جاءوا الى الحياة فى أوانهم المرتقب، فحين كانت الحياة تهيب بمن يجدد لقيمها الروحية شبابها وصوابها جاء هؤلاء مع رسولهم الكريم مبشرين وناسكين، وحينما كانت تهيب بمن يضع عن البشرية الرازحة أغلالها ويحرر وجودها ومصيرها جاء هؤلاء وراء رسولهم العظيم ثواراً ومحررين، وحين كانت تهيب بمن يستشرف للحضارة الانسانية مطالع جديدة ورشيدة جاء هؤلاء رواداً ومستشرفين.
حقيقة إذا كنا نتكلم هذه الأيام عن انهيار سلم القيم والفوضى الأخلاقية فى مجتمعاتنا العربية أو فى عصرنا على وجه الاطلاق، وإذا كنا نعانى من ظواهر التطرف وغياب الاعتدال والعدالة، فليس أفضل من اتخاذ سير هؤلاء الرجال نبراسا وهاديا، فهم ليسوا مجرد شخصيات اسلامية تتلمذت على يد محمد رسول الله وخاتم الانبياء بل تتلمذوا على يد رجل حاز مكارم الأخلاق  بشهادة معاصريه من أمنوا برسالته ومن كفروا بها، على يد من قال فيه رب العالمين «وإنك لعلى خلق عظيم» وهو الذى قال عن نفسه «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
إن سير هؤلاء الأفذاذ وقراءتها على النحو الذى كتبت به فى هذا الكتاب الجميل إنما تصلح لتكون المنهج الذى يُدرس بمقررى الأخلاق والدين بعيدا عن الاسلوب التقليدى الذى يقتصر على حفظ آيات الكتب المقدسة والسرد التقليدى للقيم الأخلاقية، إن مجرد قراءة سيرهم وكيف عاشوا حياتهم موحدين وزاهدين، داعين إلى المحبة والسلام، مؤمنين بالتسامح وضرورة احترام الآخر وضمان حقوقه وحرياته المختلفة من حرية الاعتقاد إلى حرية القول والفعل، أقول إن مجرد قراءة سيرهم والتعرف على سلوكياتهم وردود أفعالهم تغرس فى نفس القارئ كل القيم الانسانية النبيلة من التواضع وعزة النفس إلى حب الخير لجميع البشر، فلقد بنى المسلمون الأوائل الحضارة الاسلامية بكل تجلياتها على هذه القيم متخذين من الدين هاديا ومن العلم منهجاً.
ولعل أهم هذه القيم التى تجدها قاسماً مشتركاً لديهم جميعاً من المنظور الفلسفى هى قيمة البحث عن الحقيقة، فمن سلمان الفارسى والعبد الحبشى بلال بن رباح إلى عبدالله بن عمر وسعد بن أبى وقاص، من عبدالله بن مسعود وعمار بن ياسر إلى أبى الدرداء والزبير بن العوام وأبو هريرة، من معاذ بن جبل وعبدالرحمن بن عوف إلى زيد بن ثابت وأسامة بن زيد، من أبى موسى الأشعرى وعمرو بن العاص إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وبقية الأسماء التى رويت سيرها، كل هؤلاء كانوا من الباحثين عن الحقيقة و ينشدون الوصول إليها، وهم جميعا لم يسلموا بصدق الرسالة المحمدية إلا بعد بحث وقناعة عقلية، وفى كثير من الأحيان كانوا من أصحاب الموقف الفلسفى الحر الذى لم يقتنع إلا بعد رحلة عقلية طويلة خاضوها من الشك إلى اليقين، وأعجب ممن قرأ سير هؤلاء وغيرهم وتعرف على رحلتهم فى الانتقال من عالم الكفر والالحاد إلى رحاب الايمان بالله ربا وبمحمد رسولا ولايزال يعادى الفلسفة والتفلسف، فلو لم يُعمل هؤلاء عقولهم باحثين عن حقيقة الوجود والنبوة ما آمنوا وما أصبحوا القدوة التى قال عنها رسولنا الكريم «أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم».