رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاوى

مرت الذكرى 104 لثورة 1919، تلك الثورة التى حققت إنجازات ضخمة فى التاريخ المصرى. وما زالت أصداؤها ممتدة حتى الآن. وكانت الوحدة الوطنية بين الأقباط والمسلمين فى ثورة 1919 صفة مميزة للثورة ومن أبرز إنجازاتها، فقد اشتد تيار الثورة القائم على الوطنية، تحت شعار: «الدين لله والوطن للجميع» إلى درجة مكّنته من إزالة الخلافات والشكوك بين شِقَّى الأمة. وكان الدور المستنير إلى جانب دور رواد الصحافة من أهم العوامل والمؤثرات التى أدت إلى تعميق وتقوية الوحدة بين أبناء الوطن الواحد، وقد نشرت الصحف المصرية بالتحبيذ والتأييد مظاهر ومواقف رجال السياسية بين المصريين كافة فى مواجهة الاحتلال البريطانى.. ووصفت بعناية مظاهر الاندماج الاجتماعى بين سائر أبناء الوطن.

 افتراءات رجال الاحتلال والاتهامات التى وجّهوها للشعب الثائر لإثارة الشكوك والخلافات بين أفراده أتباع الديانات المختلفة وضرب وحدتهم فشلت تماماً، وكان الاعتراف البريطانى باستقلال مصر إنجازًا سياسيًا كبيرًا لثورة 1919، فرغم أنه لم يحقق الجلاء الفورى لقوات الاحتلال من أرض مصر، فإنه فقد صدر الدستور عام 1923، مقررًا سلطة الشعب وحقه الشرعى فى حكم نفسه بنفسه ومحددًا لحقوق المصريين وحريتهم السياسية، وبناء عليه تألف المجلس النيابى سنة 1924، وألغيت الامتيازات الأجنبية.

«يحيا الهلال مع الصليب»، كان شعار الوحدة الوطنية فى ثورة 1919 وقد امتزجت كل المشاعر الوطنية بين المسلمين والمسيحيين فى هذه الثورة، وللوحدة الوطنية فى ثورة 1919 منهج حياة سيظل نبراسًا لكل الثورات فيما بعد، وهو ما تجلى واضحًا فى ثورة 30 يونيو عام 2013، ومن خلال الوحدة الوطنية فى هذه الثورة، نجد أن هناك مفاهيم كثيرة فجّرتها قضية الوحدة الوطنية فى هذه الثورة العظيمة.

تم نفى الزعيم خالد الذكر سعد زغلول مع زملائه الثلاثة، وهم: حمد باشا الباسل الذى كان يمثل العروبة فى مصر وكان أكبرهم سنًا وعضوًا فى الجمعية التشريعية ومحمد باشا محمود وهو ابن محمود باشا سليمان الذى كان يعتبر وقتذاك قطب أقطاب الصعيد والذى قيل إنه عُرض عليه منصب الملك وأبى، وإسماعيل باشا صدقى الذى كان عقلية جبارة فذة.

 ولماذا النفى إلى مالطة؟!.. كان لهذا النفى دلالة، فالخديو عباس عندما تم خلعه فى ديسمبر عام 1914 كان له حزب فى مصر يتمتع بقوة ويتصل بالصحافة. أنصار الخديو تم نفيهم إلى مالطة، وعلى رأسهم أمير الشعراء أحمد شوقى. ولذلك فإن فكرة نفى سعد وزملائه الثلاثة إلى مالطة كانت خبيثة، وهى تعنى طالما تم النفى فلن يعودوا أبدًا إلى مصر. وهنا أضرب طلبة المدارس العليا والثانوية، واندلعت الثورة بين جميع فئات الشعب بطول البلاد وعرضها وتصدى الإنجليز للثوار وحصل الصدام بين المصريين وقوات الاحتلال البريطانى، وأطلق الإنجليز النار على المتظاهرين، بعد انضمام الفلاحين والعمال والموظفين مسلمين وأقباطًا إلى هذه الثورة العظيمة.

اتفق الجميع فى الاتجاه والشعور والعمل، فالسلطان والأمراء والفلاحون والموظفون والتجار والمثقفون ورجال الدين والآداب والفنون كانوا على قلب رجل واحد.. السلطان أحمد فؤاد المعين من جانب الإنجليز كان له شعور وطنى، ورغم أنه كان مستنيراً، فإنه كان وطنيًا منتميًا إلى الأمة المصرية وفى جميع المراحل التى مرت بها ثورة 1919 كان السلطان فؤاد يستقبل من يقصده ويستمع إليه، وهذا الأمر ينطبق على جميع أمراء مصر بلا استثناء، فمثلًا محمد على توفيق وهو ابن الخديو توفيق، كان يستقبل فى بيته سعد زغلول والقائمين بالحركة الوطنية، والأمير عمر طوسون فى الإسكندرية يستقبل فى قصره الوفديين، والأمير كمال الدين حسين ابن السلطان حسين كان يستقبل سعد باشا، والأمير يوسف كمال تزعم يوم 13 نوفمبر 1920 الحفل الذى أقيم بفندق شبرد بالقاهرة فى الذكرى الثانية لعيد الجهاد الوطنى، حتى عام 1930، هذه الوقائع أذكرها من مذكرات فخرى بك عبدالنور وهى جزء لا يتجزأ من تاريخ مصر.

الراحل الكريم مصطفى أمين يقول فى مذكرات فخرى عبدالنور، أحد المناضلين فى ثورة 1919: «إنه عندما ألف سعد زغلول الوفد نظّمه فى طبقات من القادة، إذا نفيت الطبقة الأولى، برزت الطبقة الثانية لتتولى الزعامة، وإذا أعدمت الطبقة الثانية وقفت الطبقة الثالثة.. فكان كل فريق يسلم العلم إلى الفريق الذى يليه، وكل عضو جديد يدخل القيادة وهو يعلم أنه فى طريقه إلى المشنقة أو الاعتقال أو مصادرة الأموال دون أن يتردد».. هذه صفحة وطنية من تاريخ الأمة المصرية، فثورة 1919 هى الثورة الأم لما جاء بعدها من ثورات، فتحيةً خالصةً من الوجدان لشعب مصر، هذا الشعب العظيم الذى لا يوجد مثيل فى الدنيا كلها. هؤلاء ضحوا بأرواحهم من أجل أن نحيا... تعظيم سلام لهم جميعاً.