رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

كلما تعمق المرء فى أحوالنا وجد أن سر أسرار التخلف الذى نعانى منه يكمن فى أزمة الإدارة، فنحن نعانى من سوء الإدارة بدءًا من سوء إدارة أصغر وحدة إدارية إلى إدارة وزارات الدولة ككل، إذ إن ثقافة التخلف التى تجتاحنا غرست فينا الاعتماد على أهل الثقة وليس أهل الكفاءة فى تعيين المديرين والوزراء، كما أننا توارثنا منذ زمن بعيد أن الأقدمية فى الوظيفة هى مناط التأهيل للوظيفة الأعلى، متناسين أن العلم والمؤهلات الأحدث والمناسبة للوظيفة هى الأهم، كما توارثنا كذلك أن من يدير المؤسسة- أى مؤسسة- أو من يدير الوزارة- أى وزارة- هو الأعلم وهو الأعظم وهو صاحب الأمر والنهى، حينما يقول فأقواله «حكم» وحينما يأمر فأمره مطاع، لا أحد يتكلم بعده ولا أحد يناقشه! وكأنه يتحول فجأة من إنسان أو موظف عادى إلى «عبقرى زمانه ووحيد عصره» !! ولا غرابة فى ذلك فنحن لا نزال أسرى مقولة فرعون موسى الذى قال لقومه «أنا ربكم الأعلى» فكل مدير أو وزير يتحول إلى «رب المكان الأعلى» فيتصور أن بيده كل شىء وهو المتحكم فى مصير وأرزاق العباد الذين يرأسهم وهو المعطى وهو المانح، فمن رضى عنه منحه كل الصلاحيات والعطايا والمكافآت، ومن غضب عليه حرمه كل ذلك! أنه «بجرة قلم» يستطيع أن يرفع أحدهم إلى أعلى مكانه و«بجرة قلم» أخرى يستطيع أن «يخسف به الأرض»!

وينسى هذا «الرب الأعلى» أنه كان بالأمس أحد هؤلاء المرؤسين، ينسى أنه كان مثلهم يعانى مثلما يعانون ويتمنى ما يتمنون! وسرعان ما ينسلخ عنهم منتميًا إلى طبقة أخرى بأحلام ومطامع جديدة! وبدلًا من أن يسعى إلى إصلاح أحوالهم والعمل على تلبية مطالبهم أولًا، يجعلهم فى ذيل اهتماماته، بل ينظر إليهم من عل مُبدلًا تصوراته عنهم، فمطالبهم تصبح مبالغًا فيها وغير عادله! وأحلامهم فى الاستقرار والرخاء تصبح غير مقبولة وغير مبررة! وهكذا تتبدل أحوال الرب الأعلى من الحنو على الرفقاء والعطف عليهم والدفاع عن مطالبهم وتلبية حاجاتهم إلى الانفصال عنهم سعيًا وراء تحقيق تصوراته هو ومطالبه هو، والطريف أنه عادة ما يتصور أنه بالسعى إلى تحقيق طموحاته الشخصية أنما يحقق طموحات مرؤسيه!!

أن الإدارة الناجحة يا أيها السادة إنما تبدأ من تغليب مصلحة المرؤوسين على مصلحة الرئيس الشخصية، تغليب مصلحة المؤسسة أو الوزارة على مصلحة من يديرها ! تبدأ من دراسة أحوالها وأحوال العاملين فيها والبحث عن كيفية الارتقاء بهم وتحسين أحوالهم، وإن نجح المدير فى ذلك سينجح بلا شك فى كسب ثقتهم واحترامهم، وستكون هذه هى البداية الحقيقية للإنجاز والتقدم وتحقيق النجاحات المتتالية فى مجال عمله وعملهم! أن الإدارة الناجحة تبدأ من الاستماع إلى مطالب المرؤوسين ودراسة مشكلاتهم فى العمل ومعرفة المعوقات الحقيقية التى تعوق نجاحهم فى عملهم، وهى عادة فى الغالب تعود إلى عاملين اثنين أحدهما معوقات مادية مثل النقص فى الإمكانيات وعدم كفاءة المعدات المستخدمة ومعوقات إدارية تتعلق بكيفية إدارة العمل نفسه.. إلخ. أو معوقات معنوية تتعلق بعدم رضا العاملين عن أوضاعهم الوظيفية وعن بيئة العمل التى يعملون فيها! ورغم أهمية السير فى الاتجاهين الإصلاحيين معا للارتقاء بالعمل والعاملين إلا أننى أرى إعطاء الأولوية للعامل الثانى حيث إن العمل على إسعاد العامل أو الموظف وتحسين بيئة العمل قد يكون هو العامل الحاسم فى إزالة الكثير من معوقات العمل المادية فالإنسان السعيد بوضعه الوظيفى وظروف عمله سيكون مبدعًا فى التغلب على الكثير من مشكلات العمل وسيكون مبدعًا فى مواجهة التحديات التى تواجهه!

إن الإدارة الناجحة تكمن إذن فى القدرة على إيجاد الآليات والوسائل القادرة على إسعاد العاملين وتحسين بيئة العمل قبل وضع الخطط المادية وفرض أهداف وطموحات صاحب العمل أو مديره على العاملين بعيدًا عن تقدير ظروفهم وتلبية مطالبهم، تلك هى فى اعتقادى فلسفة الإدارة الناجحة «الإدارة بالحب» وليست الإدارة بالخطط والأهداف المفروضة من عل أو ممن يتصور أنه «رب العاملين الأعلى»!