رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

قالت لى صحفية متقاعدة ولم تفقد جمالها وحيويتها «مجتمعنا تحكمه غالبًا الشللية» فى كل الدوائر، بدءًا من صناعة القرار إلى صناعة الفن، هى أفنت عمر مهنتها فى الكتابة عن عالم الفن والفنانين، كانت تتعامل معهم من فوق عتبة الأبواب المغلقة أو المفتوحة على عالمهم الخاص، ولا تدلف إلى داخل الدهاليز، لأن دنيتها محسومة التفاصيل، بيتها، زوجها، ابنتها الوحيدة، وعندما اتجهت مؤخرًا إلى الكتابة الأدبية، اعتقدت أنها بعلاقاتها الصحفية المحترمة وخبرتها الطويلة، يمكنها أن تجد بسهولة الطريق إلى تقديم أحد أعمالها الأدبية للإنتاج السينمائى أو التليفزيونى، أو حتى الإذاعى.

وبدأت تطرق الأبواب بشخصيتها الوقورة المحترمة، لكن فوجئت أن كل القواعد التى كانت تتعامل بها مع من حولها تحاول أن تنقلب إلى وجهة أخرى، وجدت نفسها مطالبة بالاندماج فى شلة ما، أن تسهر معهم لتجاملهم، تشاركهم كؤوسًا من الخمر لزوم السهرة والدردشة، أن تصبح «فرفوشة» مرحة إلى درجة الابتذال، وان «تقرقع» ضحكًا على نكاتهم السخيفة والخارجة، أن تكون بينهم امرأة خفيفة كالريشة، تنسى وقار سنها، وشخصية عملها، وأنها أم وزوجة، أن تنصهر فى قلب الشلة لتحصل على غايتها، ويصل عملها الأدبى إلى الأيادى المقصودة من منتج، مخرج، سيناريست، وهكذا.

تعلم ممن قرأوا أعمالها أن بعض كتاباتها تستحق أن تتحول إلى عمل فنى يشاهده الجميع، ولكن الطريق إلى هذا ترفضه تماماً، فلم تتجاوز عتبتهم، ولم تنجرف إلى دهاليزهم، وتراجعت، وانزوت فى بيتها وقد بلغت سن التقاعد، تكتب، تكتب فقط وتنشر، ولا تفكر مجددًا فى طرق هذه الأبواب لترى أعمالها النور عبر إذاعة أو شاشة كبيرة أو صغيرة، ومن منطلق الصداقة الراقية التفاصيل التى تربطنى بها، سألتها ذات يوم هذا السؤال الموجع: كيف يكون لك كل هذه العلاقات بعالم الفن ولا تنجحى فى الدفع بأحد أعمالك الأدبية إلى شاشة أو إذاعة، فروت لى التفاصيل، تفاصيل جعلتنى اشعر بالغصة، بل الإحباط، وجعلتنى ابتلع سؤالى الذى كان على لساني: هل يمكنك مساعدتى لإيصال أحمد أعمالى الأدبية إلى منتج محترم.

فى الواقع سرت بنا الحكايا إلى جوانب مؤسفة ومظلمة فى عالم الكتابة والشهرة والفن، حكايات لا تبعث على الأمل، قالت لي: أنت لا تعلمى كيف تشتهر تلك الأعمال التافهة السطحية الساقطة، التى تضج بها شاشات التليفزيون أو السينما، «البرتيتة» يا عزيزتى هذا التى تحكم تلك الأمور غالباً، وتدفع بأعمال لا تستحق إلى سطح الشهرة، وكأنه مخطط مقصود لإحباط الكتاب المحترمين، الذين يسعون إلى الارتقاء بالذوق العام والأخلاق، وهناك التنازلات الأخلاقية البشعة، بالطبع لا ينطبق هذا على الكل، بل للأسف على الأغلب، فلا دهشة أن نشاهد قصة تافهة مليئة بموبقات الأخلاق والسقوط الاجتماعى تطاردك عبر شاشة التلفاز فى مسلسل يصل إلى ثلاثين حلقه، وتتلقفه القنوات هنا وهناك، ولا دهشة أن نشاهد فليمًا سينمائيًا ليس به قصة ولا هدف ولا مضمون، يجلجل فى دور السينما وسط دعاية خرافية، حول قصة مدمن فى عالم المخدرات، أو منحرف فى عالم الجريمة أو نساء ساقطات، وهكذا.

وختمت صديقتى لقاءها معى الموجع أدبيًا وثقافيًا بجملة ترقرقت معها أعيننا بإباء أنفس عزيزة: إذا كنت تجيدين فن «البرتيتة»، ولديك استعدادًا لتقديم التنازلات من كل نوع، ستصل أعمالك إلى الهدف الذى تحلمين به، وسيراها الناس، فيما عدا ذلك، انسى، وابقى فى بيتك، اكتبى، اكتبى وانشرى فقط، ولا تبحثى عن الانتشار بالشكل اللائق بموهبتك.

شكرًا عزيزتى، أنا لا أفقد الأمل فى الله، أو فى الحياة بمدينة فاضلة بين بشر لم ينس الله، لو فقدت هذا الأمل لكنت منتحرة منذ أزمنة، أو مشردة فى الشوارع «مهوشة» الشعر بين المجانين، بعد كل ما لاقيته فى حياتى من الصدمات البشعة وصنوف الخذلان من البشر، و... للحديث بقية.

 

[email protected]