رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

لعل من أهم خصائص العصر الذى نعيشه الآن هو التناقض الحاد الموجود بين طرفى المعادلة البشرية؛ إذ على الرغم من أن غالبية البشر يؤمنون بالأديان ويعبدون الله رباً مع الإقرار باختلاف تصورهم للرب باختلاف دياناتهم، إلا أن كثيرين منهم يعيشون حالة من القلق العقائدى حيث يوجد على الجانب الأيمن من المعادلة أولئك المؤمنون المتعصبون المتزمتون لحد التطرف والغلو لدرجة تكفير من عداهم من المؤمنين حتى داخل العقيدة الدينية الواحدة، وعلى الجانب الأيسر يوجد الملحدون الذين كفروا بكل هذه الديانات ولا يرون هناك ضرورة للإيمان بالدين- أى دين!

والحقيقة أن ظاهرة الإلحاد قد تنامت بشكل لافت فى عصرنا الراهن، حيث انتشر الإلحاد بين الشباب وارتد الكثير منهم عن الإيمان بالأديان بحجة أننا نعيش عصر العلم، وأن ما حققه ويحققه الإنسان من تقدم فى هذا العصر إنما الفضل فيه للتقدم الذى حققه الإنسان فى مجالات العلوم المختلفة من خلال استخدامه للمناهج العلمية الحديثة وخاصة المنهج الاستقرائى التجريبى، ومن ثم تصوروا أنه لا حاجة بنا للدين ولا الإيمان بالماوراء ويكفينا الإيمان بالطبيعة من حولنا وتحقيق الرفاه للإنسان بالتقدم العلمى والتكنولوجى. وقد تناسوا فى ثنايا ذلك حقيقة مهمة وهى أن التقدم العلمى والتقنى وحده مهما وصل بالإنسان لن يكون كافياً أبداً لتحقيق الرضا النفسى والعقلى له؛ إذ إن السؤال عن الحقيقة القصوى للحياة وأصل الكون وأصل الخليقة سيظل سؤالاً مؤرقاً للإنسان فى عصر العلم والتكنولوجيا، ذلك العصر الذى وصل أقصى مداه بعصر الذكاء الاصطناعى أو ما أصبح يسمى الآن اصطلاحاً بعصر «ما بعد الإنسان»!!

إن عصر ما بعد الإنسان الذى يتباهى بالوصول إليه صانعو العلم والتكنولوجيات المعاصرة إنما هو نفسه يعد دليلاً على قدرات الإنسان المحدودة!!؛ إذ إن السؤال الذى يطرحه التقدم التكنولوجى الحاصل الآن فى هذا المجال هو: إذا كان الإنسان سيقف عاجزاً غداً أو بعد غد أمام آلات الذكاء الاصطناعى التى ابتدعها، فماذا سيكون موقفه أمام الله؟! وهل يمكن للإنسان الذى ستوقفه الآلة عند حده المعلوم فلا يستطيع بذكائه البشرى العادى أن يلاحق التطور الذى ستتيحه الآلات الذكية لنفسها، حيث ستكون قادرة حتماً على الانتصار عليه، فما باله لا يزال يكابر متجاهلاً أن من خلقه وآلاته الذكية أكبر منهما معاً؟!

إن مناقشة هؤلاء الملاحدة فى أطروحاتهم بأشكالها المختلفة وخاصة تلك المبنية على الاستناد إلى المكتشفات العلمية الحديثة وبوجه خاص على نظرية التطور الدارونية فى علوم الحياة وتطوراتها المعاصرة، تكشف أنه لاعلاقة بين الاعتقاد الدينى والعلم ؛ فكل الأديان وعلى رأسها الدين الإسلامى تشجع على البحث العلمى وتهتم بتقويم نتائجه، فى الوقت الذى نعرف فيه أن العلماء حينما يقدمومن نظرياتهم العلمية مصحوبة بحججها وأدلتها إنما يسلمون فى نفس الوقت بأنها قابلة للدحض والتكذيب، ونظرية التطور مثلها مثل غيرها من النظريات العلمية ؛ فهى غير مسلم بها تماماً بين العلماء المتخصصين فى علوم الحياة والبيولوجيا، وأنه يسرى عليها ما يسرى على كل النظريات العلمية من عدم اليقين المطلق.

أما الطامة الكبرى فى عصرنا فهى اختلاط المفاهيم وهدم القيم بدعوى الحفاظ على حرية الفرد وحقوق الإنسان للدرجة التى سمح فيها بزواج الشواذ وفى ذلك ما فيه من تعد ومخالفة لفطرة الإنسان وسموه الأخلاقى، كما سمح بالحريات الجنسية لدرجة إباحة ممارسة الجنس فى الشوارع!!، لقد انتزع الحياء من قلوب وعقول البشر فأصبحوا هم والحيوانات سواء مع الاعتذار للكثير من أنواع الحيوانات التى تتمتع بقدر من الحياء يجعلها لا تتناسل إلا فى أوقات بعينها وبعيداً عن أعين الآخرين!! إن ممارسة الحريات الشخصية لا ينبغى مطلقاً أن تكون مدخلاً لهدم إنسانية الإنسان والحفاظ على تميزه المزعوم بالعقلانية والسلوك الأخلاقى!! ولعل السؤال الأكبر هنا هو: إلى ماذا تقودنا المدنية– ولا أقول الحضارة– الغربية المعاصرة بقيمها اللذية المادية التى أنهكت الإنسان وجعلته يلهث وراء سراب الثراء والاستخدام المفرط للتكنولوجيات المدمرة لذاته وإنسانيته؟!