رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

تحدثنا فى المقال السابق عن صورة المستقبل فى العالم فى ظل أحداث العام المنصرف، وتساءلنا عن حال العرب فى العام الجديد!! والحقيقة التى أراها ساطعة وربما تكون مبشرة هى أن ثمة شواهد عديدة تكشف عن زيادة مساحة الوعى العربى بأصول اللعبة فى السياسة الدولية، وثمة قيادات جديدة وتصورات جديدة لدى القيادات القائمة تعى الأبعاد التى يمكن استغلالها لبناء موقف عربى جيد جديد، يمكنهم من التفاعل الايجابى مع الأحداث واستغلالها لصالح العرب، وصنع مستقبل أفضل لهم رغم كل التحديات والفخاخ التى تعوق طريقهم!

لقد بدأ القادة العرب يدركون أهمية استقلال القرار العربى وعدم الانسياق وراء الصديق الأمريكى المزعوم! وبدا ذلك واضحا فى القرارات المستقلة للمملكة العربية السعودية، ورفضها التماهى مع التوجه الأمريكى لفرض هيمنتها على قرار «أوبك» واجبار دولها على رفع سقف الانتاج، وها هى المملكة أيضا تستضيف قمتين موسعتين مهمتين، إحداهما تجمع العديد من القادة العرب والخليجيين مع الرئيس الأمريكى، والأخرى تجمع نفس القادة وغيرهم مع الرئيس الصينى، وفى هذا ما فيه من دلالات على أن العرب يسعون لإقامة علاقات متوازنة حقيقية مع القوى العالمية الكبرى دون تفضيل إحداها على الأخرى! فضلا عن التنبيه إلى أن العرب لم يعودوا يستندون إلى أى منهما دون الأخرى، وانما يستندون الآن أكثر من أى وقت مضى إلى قدراتهم الذاتية، ويقفون مع ما يحقق مصلحة أوطانهم وشعوبهم وخاصة بعد اكتشافهم -فيما يبدو- حقيقة تراجع الدور الأمريكى فى العالم وصعود الصين والقوى الآسيوية!

كل ما هنالك أن هذه التطورات فى السياسة العربية ينبغى أن تأخذ فى الاعتبار أن العدو الأول لا يزال هو هو لم يتغير؛ فإسرائيل لا تزال تحتل الأرض العربية وفلسطين ولا تزال متوجهة لا نحو السلام بل نحو المزيد من التطرف وهضم والتعدى على الحقوق العربية! وها هو أحد وزراء حكومة نتنياهو الجديدة يبدأ عصرها غير السعيد بانتهاك حرمة المسجد الأقصى المبارك. ومن ثم فعلى العرب الحذر والحيطة والتوجه نحو وقف المد الصهيونى فى المنطقة؛ فالصهيونية العالمية لاتزال المحرك للسياسة الاسرائيلية وهى لا ترجو خيرا للعرب ولا تسعى للسلام العادل معهم بل تضمر لهم كل الحقد وكل الشر!

 وعموما فإن هذه المواقف والاشارات الايجابية التى أشرنا إليها فيما سبق، انما تكشف عن نضج كبير فى رسم السياسات الاستراتيجية العربية الموحدة لم يكن موجودا من قبل!! كما أن ثمة مؤشرات واضحة على زيادة المد العقلانى فى نفس المنطقة من العالم العربى بعد أن كانت موسومة بالانغلاق الفكرى والعقدى، فقد افتتحت الكثير من الجامعات الحديثة ذات الشراكات مع كبرى الجامعات الدولية، وكذلك تم تدشين الكثير من الهيئات التنويرية من دور للترجمة ونوادٍ ومنتديات ومعارض للكتب منفتحة على كل الانتاج الثقافى والعلمى من كل أنحاء العالم، وتم انشاء العديد من المراكز والجمعيات الفلسفية، واقامة المؤتمرات الفكرية التى مورست فيها بالفعل المناقشات الحرة حول أهم قضايا بناء الوعى ومشكلات الفكر والواقع العربى المعاصر.

 وربما يمكننا البناء على ذلك لنطالب بمزيد من الانفتاح والعقلانية والتنوير، فهذا هو طريق التقدم والاستقلال الحقيقى، كما نطالب بأن يزداد التنسيق العربى للدرجة التى تسمح بالاتفاق على تغيير ميثاق الجامعة العربية لتصبح أكثر فاعلية؛ فلا شيء يمنع أن تُتخذ خطوات جادة نحو مزيد من المرونة مثل أن تتخذ قراراتها بالأغلبية بدلا من الاجماع المستحيل! ولا شىء يمنع من تشكيل مجلس وزراء عربى موحد يرأسه رئيس القمة العربية بالتناوب ليساهم فى زيادة التقارب العربى واقامة السوق العربية المشتركة والعمل على الغاء التأشيرات والجمارك على السلع المتبادلة وتسهيل انتقال المواطنين العرب فى دولهم العربية، والاستعانة بالخبرات وبالعمالة العربية فى كل المجالات بدلا من الأجنبية.

 إن تلك أمنيات كل عربى محب لوطنه ومؤمن بعروبته، فالعروبة ليست مجرد كلمات نتغنى بها فى المناسبات، بل ينبغى أن تترجم بإجراءات عملية على الأرض يشعر ويستفيد بها جميع المواطنين العرب دون تمييز! وكم نتمنى أن تعود الأموال العربية والعقول العربية إلى وطنها لتستثمر فى بناء الوطن العربى الكبير الموحد! إن العالم كله يتجه الى انشاء أو احياء التكتلات الاقليمية ليحتمى بها، فما بالنا ونحن أمة واحدة ولغة واحدة وأخلاق وقيم واحدة ونعيش على أرض متصلة واحدة، لا نطمح إلى تحقيق أكبر قدر من الوحدة والاتحاد على أساس من وحدة المصالح والأهداف؟!