رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

على وقع ما جرى فى واشنطن قبل نحو عامين، من اقتحام أنصار «ترامب» للكونجرس رفضا للاعتراف بفوز «بايدن» فى الانتخابات الرئاسية، تجمع مئات من أنصار الرئيس اليمينى «جايير بولسونارو» لمحاصرة مقر البرلمان والمحكمة العليا والمقر الرئاسى فى العاصمة برازاليا رفضا لنتائج الانتخابات، التى فاز بها القائد العمالى اليسارى «لولا دى سلفا». حتى فى التخريب وإشاعة الفوضى، باتت أمريكا نموذجا يحتذى. وكما جرى فى الثورات الملونة فى دول شرق أوروبا وعدد من الجمهوريات السوفتيتية السابقة وفى البرازيل نفسها، التى دعمتها إدارة أوباما وأجهزة مخابراته، ارتدى المهاجمون وشاحا ملونا واحدا، ورددوا هتافات تطالب الجيش بالتدخل لإسقاط «دا سلفا». ولعل الجانبين، قد استلهما الهجومين، مما قام به أعضاء جماعة الإخوان وأونصارهم من السلفيين صيف العام 2012 بحصار المحكمة الدستورية العليا، ومنع قضاتها من العمل، بعد صدور حكمها بعدم دستورية انتخاب ثلث أعضاء مجلس الشعب من المستقلين، بما انتهى بقرار حله. 

فى تقرير لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكى تم نشره عام 2009، أوضح أن الإدارة الأمريكية لن يكون فى وسعها، بعد سقوط نظام مبارك، دفع الحكومة المصرية لاتخاذ سياسات لا تحظى برضاء المصريين. وبنى التقرير رأيه استنادا إلى أن واشنطن من عهد «كارتر» حتى عهد «أوباما» كانت تضغط على القاهرة لفرض سياسات مرفوضة شعبيا، من أجل دعم المصالح الاسترتيجية الأمريكية فى المنطقة، والحفاظ على أمن إسرائيل. ومعنى الكلام، طبقا للتقرير، أن التحول الديمقراطى فى مصر فى حال حدوثه، سوف يعوق الوصول إلى حفظ تلك المصالح. تلك الرؤية التى تستهدف إضعاف الدولة الوطنية وتفتيتها، وإقامة أنظمة حكم ضعيفة وموالية، هى الموقف الثابت الذى اتخذته الإدارة الأمريكية وأجهزة مخابراتها، فى دول ما سمى بالربيع العربى، وفى دول أمريكا اللاتينية ودول أوروبا الشرقية، بمنع أى تطور ديمقراطى فعلى، وتنصيب موالين لها فى سدة الحكم، بصناديق انتخابية مشكوك فى نزاهتها! 

أربع ساعات من التخريب ونهب الممتلكات العامة والخاصة ينفى «بولسونارو» مسئوليته عنها من مهجعه فى فلوريدا الأمريكية، لكنه لا يتوانى عن تبريره، بزعم ينطوى على تزوير وقائع التاريخ، بأن اليساريين قاموا بأفعال مماثلة، وتلويحه بتكرار ما جرى فى الكونجرس الأمريكى فى البرازيل، وعدم اعترافه بفوز «دا سلفا» وتوجيه أنصاره اتهامات له بتزوير الانتخابات. 

وعلى عكس ما أراد «بولسونارو»، فقد ساهم هذا الهجوم فى تعزيز سلطة «دا سلفا» ليس فقط بسبب الإجماع الدولى على رفضه، وتأكيد روسيا والصين ومعظم الدول الأوروبية دعمها لرئاسته، ولكن أيضا، لأنه منحه قوة دفع شرعية للإسراع بتطهير مؤسسات الدولة وهيئاتها من عناصر اليمين المتطرف الموالى لسلفه، لغل يدهم عن عرقلة برنامجه لمحاربة الفقر ووقف تجريف الغابات وإنهاض الصناعات البرازيلية لرفع كفاءتها للعودة للمنافسة، ورفع ميزانيات التعليم والصحة والتشغيل، وعدل ميزان الحياة البرازيلية المختل، وتقليل الفوارق الاجتماعة وسد الفجوة الهائلة بين الفقراء والأغنياء التى أوصلت 5% فقط من سكانها إلى امتلاك 95%من ثروات البلاد، لكى تستعيد بلاده مكانتها المتقدمة السابقة على الساحة الدولية. 

لولا «دا سلفا» العائد للمرة الثالثة لرئاسة البرازيل بعد غيبة 12 عاما، وبعد سجنه وتبرئة القضاء له من قضية فساد ملفقة، لن يجد البرازيل الذى حكمها فترتين متتاليتين حتى العام 2010 كما كانت، فقد بات يدرك أن النهر جرت به مياه كثيرة، وأن البلد الذى سلمه خاليا من الديون، بات جائعا ووضعه الاقتصادى متدهور ومكانته متراجعة. لكن المؤكد أن التجديدات الحداثية التى أدخلها حزب العمال الذى أسسه عام 1980 على أفكار اليسار، من تأسيس المنتدى الاجتماعى العالمى المناهض لسياسات العولمة، إلى الإيمان بالديمقراطية التشاركية التى شكل بها حكومته الجديدة من يمين الوسط ويسار الوسط وخبراء مستقلين، ستكون قاطرته لإعادة بناء الأمة البرازيلية على أساس من العدل والمساوة واستعادة القدرة على المنافسة الدولية.