رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

يعانى الانسان فى حياته مخاوف كثيرة مما يسبب له الكثير من القلق الوجودى، ولعل أهم هذه المخاوف الخوف من الظواهر الطبيعية المجهولة والخوف من الموت والخوف من المصير بعد الموت، وقد حاول الفلاسفة عبر تاريخ الفلسفة مواجهة تلك المخاوف البشرية المشروعة وكان أبيقور الفيلسوف اليونانى الشهير الذى عاش بين القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد من أوائل من حاولوا بحث هذا الأمر حيث ركز فى كل فلسفته على بحث أصل هذه المخاوف وكيفية التخلص منها واتخذ من نظريته الحسية فى المعرفة وفلسفته المادية الطبيعية أساسا لذلك، فقد كان هذا الرجل على ثقة بأن التجربة والملاحظات الحسية هى الطريق إلى فهم ظواهر العالم الطبيعى فى وقت كان الناس فيه يعيشون عصر التفسيرات الأسطورية الغريبة ويميلون إلى تقديس وعبادة الظواهر الطبيعية اتقاء لشرها وجلبا لمنفعتها، لقد كان أبيقور واثقا من قدرة الانسان على فهم وتفسير هذه الظواهر تفسيرا علميا لحاجته الماسة إلى ذلك. وفى ضوء هذه الثقة جاء تفسيره للعالم الطبيعى على أنه يرتد إلى تلك المكونات الذرية المادية التى لا ترى بالعين المجردة ومن ثم سبق النظرية الذرية الحديثة بقرون ! وكان يؤمن بأن ما لا يستطيع الانسان تفسيره اليوم سينجح فى تفسيره غدا بنفس المنهج ومن ثم كان متفائلا بشأن المستقبل!

وقد كان يؤمن فى فلسفته الأخلاقية بأن السعادة فى حياة اللذة على أساس أنه من الطبيعى للانسان أن يتجه فى سلوكه إلى كل ما هو لذيذ وأن يبتعد عن كل ما هو مؤلم، ولكنه مع ذلك حارب التطرف فى اللذة الحسية على أساس أن تمام اللذة عنده هى فى تغييب الألم، فهذه هى اللذة بحق، وهى اللذة المعتدلة التى تقتصر على ما هو طبيعى وضرورى لحياة الانسان دون إسراف أو تطرف، وقد برهن على أنه عاش ذلك ذلك حينما كتب رسالة لأحد أصدقائه يطلب منه فيها أن يرسل إليه قطعة من الجبن الفاخر ليتناولها مع الأصدقاء ! لقد كان هذا هو معنى السعادة واقترانها باللذة عنده، إنها تلك السعادة التى تنبع من مجرد إشباع الرغبات والقضاء على الآلام الناتجة عن الشعور بالجوع أو بشدة العطش على سبيل المثال !.

وفى ضوء هذا المعنى المعتدل للذة عالج أبيقور كل أنواع القلق والخوف. فإن شعر الانسان بألم من فراق الأحبة فما عليه إلا أن يتذكر فى حال غيابهم ما صاحب وجودهم معه من لذات ومشاعر جميله سابقة كما يمكنه أن يتخيل مستقبلا تكرار نفس هذه المشاعر السعيدة فى اللقاءات القادمة. وقد ورد عن أبيقور ما يؤكد أنه عاش فكره هنا أيضا. فقد روى عنه أنه كتب رسالة لأحد أصدقائه يقول له فيها : إن آلام المرض قد اشتدت عليه فى الأيام الماضية لكنه كان يقلل منها ويتغلب عليها بتذكر ماكان يجرى بينهما من مناقشات سعيدة !

وحينما اكتشف أبيقور أن آلام النفس أشنع من آلام البدن، وخاصة تلك الآلام الحدية الخاصة بالخوف من الموت وماستلقاه النفس من مصير بعد الموت من سارع مستندا أيضا إلى نظريته الحسية فى المعرفة إلى القول بأن الموت ماهو إلا انعدام الإحساس، ومن ثم فحين الموت لن نشعر لا باللذة ولا بالألم !. واذا قلنا له: إننا لا نخشى الموت بقدر ما نخشى المصير بعده، لأجابنا بلغة هادئة واثقة : إن المؤمن بالألوهية مؤمن حتما بأن الإله سعادته كاملة ولن تزيد بأن يعذب البشر وأن يستمتع بمعاقبتهم، بل على العكس إنه مما يسعد الإله حقا أن يرى البشر يعيشون حياة السعادة لأنهم بذلك إنما يحاولون محاذاة الحياة الإلهية السعيدة. لقد كانت هذه هى الوصفة العلاجية التى قدمها أبيقور ليخرج معاصريه من حال القلق والمخاوف التى كانوا يعيشونها فى ذلك العصر المضطرب! وما أحوجنا الآن لفلسفة علاجية تساعد الانسان المعاصر على التماس السعادة فى عصر تكالبت فيه على الانسان كل عوامل القلق والخوف من المستقبل.