رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لا شك أن أكبر أزمة تواجه مصر حالياً هى أزمة سعر الصرف والانخفاض المتكرر للجنيه المصرى فى مواجهة الدولار، وقد جاء الوقت للتصدى لهذه المحنة التى يعانى منها الجنيه وتحويلها إلى منحة للنهوض بالاقتصاد المصرى بعيداً عن سياسة المسكنات التى لم تفلح فى إنقاذ العملة المصرية من النزيف المتكرر، وأيضاً بعيداً عن انتظار قرض صندوق النقد الدولى وشروطه غير المحتملة.. كلنا بطبيعة الحال –وقبلنا الحكومة المصرية– نتمنى إيجاد الحل الجذرى لهذه المشكلة.. ولكن كيف؟

فى رأينا أن الحل يكمن فى خطة لإصلاح اقتصادى يعهد به إلى مجموعة من الخبراء والعلماء الاقتصاديين والماليين المصريين، وهم ينتظرون الدعوة من رئيس الجمهورية، وإن كان لنا أن نجتهد باقتراح فإننا نرى ضرورة توافر الإرادة الحقيقية من خلال إمكانياتنا التى منحنا إياها الله، وتحتاج فقط للعمل على استغلال تلك الإمكانيات بصورة مثالية، وتتمثل فى ثلاثة ملفات منها: ملف آجل يحتاج إلى وقت طويل، هو ملف التصنيع، ولن يسعفنا الوقت أبداً إذا اتجهنا إلى هذا الملف، وإن كان يجب عدم إهماله فى المستقبل القريب.

أما الملفان العاجلان، ويمثلان روشتة إنقاذ مثالية فهما التصدير والسياحة، ومن حُسن الحظ أن مصر لديها إمكانيات هائلة، سواءً المقاصد السياحية أو السلع التصديرية المحلية.

لكى نصل إلى جذور المشكلة علينا أولاً أن ندرك أين نقف من هذين الملفين، وما هى تجارب الدول الأخرى التى حوَّلت محنتها الاقتصادية إلى منحة دائمة، وتحولت فى سنوات قليلة إلى مصاف الدول الكبرى وليس مجرد دول عبرت الأزمة فقط.

أولاً فى مجال التصدير، وطبقاً للأرقام الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء وتقرير المركز الإعلامى لمجلس الوزراء، فقد سجلت الصادرات المصرية ارتفاعاً ملحوظاً فى الأشهر الستة الأولى من العام الحالى 2022 مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2021.

وأوضحت البيانات الرسمية أن القيمة الإجمالية للصادرات بلغت خلال النصف الأول من العام الجارى 27.415 مليار دولار مقابل 20.162 مليار دولار فى الفترة نفسها من العام الماضى، بزيادة بلغت 7.253 مليار دولار مسجلة ارتفاعاً بنسبة 36%.

وأظهرت بيانات جهاز الإحصاء أن صادرات مصر من الوقود سجلت نحو 8.039 مليار دولار، ومن القطن نحو 202.235 مليون دولار، أما السلع نصف المصنعة فسجلت نحو 5.505 مليار دولار.

وطبقاً لهذه الأرقام الرسمية، فإن مصر تحقق تقدماً عاماً بعد عام فى مجال التصدير، فلماذا تظهر مشكلة سعر الصرف على مدار السنوات الماضية؟

أولاً: هذه الأرقام ليست كبيرة على دولة بحجم مصر تحاول الخروج من الأزمة الاقتصادية والتحول من سوق ناشئة إلى دولة قوية اقتصادياً، وليس معنى مقارنة أرقام العام الحالى بما قبله وتحقيق زيادة أننا فعلنا كل شيء لأننا ببساطة دخلنا إلى هذه الملفات بأرقام ضعيفة فى الأساس، وبالتالى الزيادة السنوية ليست هى المعيار للحديث عن تحقيق طفرة فى الصادرات قادرة على حماية العملة المصرية – هذه واحدة.

أما الثانية، فإن وجود مكون أجنبى فى السلع التى نصدرها يضعف المردود من هذه الصادرات، لأن المكون الأجنبى نفسه يستنزف عملة صعبة أثناء استيراده.

ثالث أسباب عدم جنى ثمار هذه الأرقام، هو تصدير المواد الخام كما هى دون إقامة صناعات تكميلية عليها يجعلنا ندفع الفاتورة مرتين، مرة بتصديرها خاماً بأسعار رخيصة، ومرة باستيرادها مصنعةً بأضعاف ما صدرنا به.

على سبيل المثال: مصر تصدر الألومنيوم الخام، ولديها أكبر مصنع للألومنيوم فى الشرق الأوسط، ويجب أن نبدأ فوراً فى إقامة صناعات تكميلية لخام الألومنيوم وتصديرها بأضعاف المنتج الخام، كذلك الأمر للقطن والفوسفات والرمال ومواد البناء والخضار والفاكهة التى تحتاج إلى تصديرها بعد تحويلها إلى صناعات غذائية.

الأمر الآخر البالغ الأهمية فى الحل هو تصدير المنتجات المصرية ذات المكون المحلى الخالص، سواءً التى تدخل فى الصناعات الغذائية أو الخضار والفاكهة الطازجة أو غيرها من المنتجات المصرية الخالصة.

ولمن لا يعرف، فإن المحاصيل الزراعية تساهم بنسبة هامة من الناتج المحلى الإجمالى، وتحتل المرتبة الثالثة بين قطاعات الصادرات الزراعية، والنتائج والأرقام الرسمية تشير إلى أن الحاصلات الزراعية من الممكن أن تتحول إلى رأس الحربة المصرية فى التصدير، فمثلاً السعودية تحتل المرتبة الأولى فى استيراد الخضار المجمدة المصرية، وكذلك لدينا حصة معتبرة بالسوق الألمانى، وبعد انخفاض قيمة الجنيه أصبحت المنتجات والحاصلات الزراعية المصرية ذات قيمة تنافسية كبيرة من حيث السعر، خاصة فى السوق الإيطالى والأمريكى التى تعانى الحاصلات المصرية من عدم دخولها بقوة حتى هذه اللحظة.

ويجب أن نعرف أن الفوز بحصص سوقية داخل السوق العالمى يرتبط بقدرتنا على بناء المزايا التنافسية لمنتجاتنا، والآن تحققت ميزة التنافسية السعرية بعد انخفاض قيمة الجنيه، بجانب موقعنا الجغرافى وسهولة النقل إلى دول العالم، وعلينا استكمال باقى المميزات من حيث التميز والجودة والابتكار، خاصة أن بعض الحاصلات المصرية الزراعية أصبحت واعدة، من بينها الحاصلات البستانية التى تجود زراعتها تحت الصوب وتزيد من إنتاجها ثلاثة أضعاف عن مثيلتها فى الحقول المفتوحة.

أما السياحة فجميعنا يعلم أن حركة السياحة المصرية تأثرت تأثيراً كبيراً بعد عام 2010، وكانت قد سجلت أعلى ارتفاع فى عدد السائحين، وصل إلى 14 مليون سائح، وبلغت الليالى السياحية 147 مليون ليلة سياحية، محققة إيرادات بلغت 12.53 مليار دولار.

ومر قطاع السياحة بفترات صعبة منذ عام 2011، وبدأ فى التعافى تدريجياً، ولكننا لم نصل إلى أرقام 2010، ولذلك أسباب عديدة منها: الإرهاب وسقوط الطائرة الروسية فى شرم الشيخ وتفشى وباء كورونا وتعليق حركة الطيران الدولى، ويكفى أن ننظر إلى تلك الأرقام لنعلم حجم الخسائر التى حدثت فى قطاع السياحة.

ففى عام 2010 زار مصر 14.7 مليون سائح، بإيرادات وصلت إلى 12.53 مليار دولار، بينما فى عام 2020 زار مصر فقط 3.5 مليون سائح، بإيرادات وصلت إلى 4 مليارات دولار، وتضاعف الرقم فى 2021، وهذا العام هناك أرقام مبشرة، ولكن لا يزال أمامنا الكثير.

ونحتاج الآن بعد انحسار جائحة كورونا أن نحول قضية السياحة إلى قضية وطن، وأن يتم استغلال كل الإمكانيات المتاحة للترويج للسياحة المصرية فى مختلف بلدان العالم، والحصول على حصة معتبرة من سوق السياحة العالمى.

إذاً مصر تستطيع وأمامنا تجارب للعديد من الدول مشابهة لظروفنا الحالية، نجحت وعبرت الأزمة؛ لأنها رفضت واقعها الأليم، على سبيل المثال قبل 100 عام من الآن، كانت دولة السويد تعيش سنواتٍ عجافاً أجبرت نحو 1.3 مليون سويدى على الرحيل للعيش فى بلدان أخرى، وهو ما يمثل ربع سكانها فى وقتها، وبحلول عام 2012 أصبحت السويد رابع دولة تنافسية فى العالم.

وتتلخص «رحلة التجربة السويدية» لقهر الفقر، فى تسوية تمت بين القطاع العام والخاص والمجتمع المدنى، واستخدم النموذج السويدى لذلك 3 أساليب هى «الحكم الرشيد – الابتكار – التصدير».. بدأت بتصدير المواد الخام، حتى وصلت فى الوقت الحالى إلى تصدير المعرفة والأفكار المبتكرة، ولديها الآن نحو 40 ألف شركة تصدر إلى الخارج، وتمثل صادراتها 50% من الناتج المحلى.

دولة أخرى شبيهة بمصر تماماً هى الهند، فى التسعينيات وصلت الهند إلى حد الإفلاس، وأصبحت الآن من أقوى 10 اقتصاديات فى العالم رغم أن عدد سكانها يتجاوز المليار، عانت الهند من الحروب والاضطرابات، ولكنها خرجت من الكساد لتحقق أسرع نمو اقتصادى فى التاريخ الحديث، وتخطط لكى تصبح فى المرتبة الثالثة كأكبر اقتصاد على مستوى العالم بحلول 2030 بعد الولايات المتحدة والصين مباشرة.

ورغم أن عام 1991 هو عام المصائب على الهند، فإنه أيضاً العام نفسه الذى شهد بداية نهضتها على يد «ما نموهان سينج» الذى يُعرف بمهندس عملية الإصلاح الاقتصادى، وهو خريج جامعة أكسفورد، وذو توجه ليبرالى رأسمالى.. ترأس الوزراء ووضع فى حكومته 3 من رجال الاقتصاد، ونجح ومعه ثلاثتهم فى تحرير الاقتصاد، وقاد مسيرة الانفتاح على العالم، وجلب استثمارات أجنبية، وقضى على البيروقراطية، ليعبر بالهند إلى آفاق الدولة القوية اقتصادياً.

هناك نماذج كثيرة لنهضة الدولة، لا يتسع لها السياق، وقد اخترت نموذج دولة أوروبية، وأخرى من دول العالم الثالث كأمثلة لتوضيح أننا نستطيع لو توافرت الإرادة، واخترنا لذلك رجالاً مخلصين مع دعم شعبى يستقر فى وجدانه الانتقال الحتمى إلى مصاف تلك الدول.

حفظ الله مصر حرة مزدهرة