رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

«المعاصرة حجاب»، هكذا يقول قدامى المؤرخين. فهى تجعل معاصرى الحدث وشهوده غير قادرين على رؤيته من كل جوانبه، فضلاً عن صعوبة أن تتحلى تلك الرؤية بالموضوعية، التى لا تسمح للمواقف وللضغوط السياسة بحجب الحقيقة. وأى إنكار أو تجاهل لدور الرئيس «حسنى مبارك» كقائد لمعركة الطيران فى حرب أكتوبر، هو تزوير للتاريخ، والخلاف السياسى مع نظام حكمه، وحتى رحيله عنه فى ثورة يناير، لا يلغى تلك الحقيقة. 

حاول «مبارك» فى يناير احتواء غضب المتظاهرين بوعده فى خطاب رسمى بعدم الترشح لفترة رئاسية جديدة، ونفيه لفكرة توريث الحكم. لكن القرار كان قد تغير فى الميدان، من مجرد المطالبة برحيل وزير الداخلية إلى المطالبة برحيل النظام، بعدما التحق قادة جماعة الإخوان بالمظاهرات، بعد أيام من بدئها، وباتوا يسيطرون على توجهاتها ويحددون أهدافها. ودشن الإخوان موقعهم القيادى فى الميدان بجلب الشيخ القرضاوى من الدوحة إلى القاهرة ليؤم المتظاهرين فى صلاة الجمعة، ثم يلقى خطاباً نارياً مندداً بالاستبداد، وقادة الجماعة يلتفون حوله على المنصة، لتثبيت الصورة للعالم أجمع، أن من يتحكم فى تلك الجموع ويقودها هم جماعة الإخوان دون غيرهم.. 

وربما فى تلك اللحظة تبين الرئيس مبارك الخطأ الذى أوقع فيه نفسه ونظام حكمه ومعه البلاد، حين تغاضى عن سجل حافل من المراوغة ونقض العهود والإرهاب يحفل به تاريخ الإخوان. وحين سمح لهم بالفوز بالرشاوى الانتخابية، بكتلة نيابية تضم 88 نائباً فى برلمان 2005، بات سهلاً عليهم التغول داخل مؤسسات الدولة، فحلوا محلها فى تقديم الخدمات الاجتماعية للمواطنين فى المجالات الخدمية الأساسية، التى توقفت الدولة عن الاهتمام بها. 

حدث ذلك فى الوقت نفسه الذى تصدى فيه النظام للأحزاب المدنية وحاصر أنشطتها وأسقط نوابها فى معظم المعارك الانتخابية! 

وفى جلسات محاكمة مبارك أقسم قادة الجيش والقوى الأمنية أنهم لم يتلقوا أوامر من مبارك بإطلاق الرصاص على المتظاهرين. وفى شهادات مجموعة الشباب المنشقة عن جماعة الإخوان اعتراف بأن من كان يطلق النار على المتظاهرين هم جماعة الإخوان. كما تم اتهام قاضٍ من الجماعة بتعذيب شرطى بشراسة وتم حبسه بعد محاكمته. 

تولى مبارك السلطة فى فترة عصيبة، فلملم أشلاء الدولة التى بعثرتها قوى الإرهاب الدينى. وأعاد الحياة لبنية تحتية مهترئة، واستطاع بالحذر والهدوء الذى طبع شخصيته كطيار أن يعمل على إحداث التوازن بين احتكامات السياسة وضروراتها. فتمكن من إعادة الدفء إلى علاقات مصر العربية المقطوعة. وشكل فى تجربة فريدة وفداً من كفاءات مصرية حزبية ومستقلة، معارضة ومؤيدة، للتفاوض الدولى مع إسرائيل لاستعادة طابا إلى مصر.

ولأنه ابن لثورة يوليو، وأحد أفراد جيشها الوطنى، لم يشأ حين طالبه المتظاهرون بالرحيل أن يدخل البلاد فى تجربة دامية، تقسم الجيش بين مؤيد ومعارض، فتخلى عن السلطة بهدوء، وذهب بنفس الهدوء والثقة فى النفس وفى عدل القضاء إلى ساحات المحاكمة. ورحل قبل نحو عامين وهو على أرض مصر التى رفض أن يغادرها وهو خارج السلطة، حرصاً كما قال فى خطابه الأخير على شرفه العسكرى، وثقة بأن مصر لن تنسى من عملوا من أجلها..