عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

طلة

 

غريب جدا أن تجد نفسك تعزى الشخص وتبارك له فى وقت واحد. إنه ما يطلق عليه عزاء الملوك حينما يضطر ولى العهد أن يستقبل جموع المعزين له فى وفاة والده الملك فى نفس اللحظة التى يتلقى فيها التهانى على توليه عرش المملكة! لحظة فارقة وشعور غريب شعرت به كلما وضعت نفسى مكان واحد من هؤلاء، أتخيل مشاعرى لحظتها هل سأكون بالفعل تعيسا وسعيدا فى نفس اللحظة؟! ترى أى المشاعر تطغى على الأخرى.

قرأت أن أول تصريح للملك تشارلز الثالث ملك بريطانيا العظمى الجديد عندما ماتت أمه الملكة اليزابيث، أن هذه اللحظة هى أتعس لحظات حياته. هل كان هذا فعلا شعوره الحقيقى وهو الذى ظل وليا للعهد طيلة سبعين عاما منذ أن كان عمره ثلاث سنوات فقط؟ فقدان الأم من الكوارث التى تحل بالإنسان مهما كان عمره هو ومهما كان عمرها هي، ليس فقط الأم ولكن الأب أيضا، فالأب والأم ركيزتا البيت مهما كان عمرهما أو وضعهما الصحي، أو بالبلدى حتى لو كانا مجرد «عضم فى قفة»!

فى الجمهوريات الطبيعية يكون انتقال السلطة من رئيس إلى رئيس عبر صندوق الانتخابات، عكس الممالك التى يتوارث فيها أعضاء الأسرة المالكة الحكم. فى الجمهوريات الطبيعية ترى الرئيس السابق والرئيس الجديد فى حفل التنصيب. الأول يرحب بالثانى والذى بدوره يشكر الأول على فترة حكمه، أما جمهور الناس فهو يشكر من انتهت ولايته لأنه حاول أن يقدم شيئا لبلاده سواء نجح أو أخفق طالما توافر حسن النية. وكذلك يهنئ الناس رئيسهم الجديد ويتمنون له التوفيق حتى لو جاء من حزب مغاير للحزب الذى ينتمون إليه. موقف طبيعى يؤثر فى كل من يعاصره، ويبقى فيه أننا أمام اثنين يتبادلان السلطة بشكل طبيعى. أما فى حالة الملكية فالأمر يختلف كلية. فهذا الشخص الذى يتلقى العزاء هو نفسه الشخص الذى يتلقى التهانى فى نفس الثانية يقف أمامه الناس ليقولوا له: البقاء لله شد حيلك وكلنا لها ومبروك عليك المملكة. لا يفصل بين اللحظتين حتى ولو نفسا صغيرا يدخل كشهيق ويخرج كزفير!

وإذا كان تعبير «مات الملك.. عاش الملك» تعبيرا حقيقيا ينم عن حالة النفاق الاجتماعى التى تصاحب قدوم أى مسئول جديد فى أى مكان، فربما لا ينطبق هذا التعبير البليغ تماما على حالة المملكة البريطانية العظمى. فالناس فى الطبيعى عادة ما تتقرب من المسئول الجديد زلفى وطمعا فى مكانة مميزة عنده تمنحهم مكتسبات ما كانوا ليحصلوا عليها بالطريق الطبيعى حيث ليس لديهم من الكفاءات ما يميزهم أو ربما لديهم ما يميزهم، ولكنهم لا يمتلكون ملكة التقرب من المسئول، أما فى حالة المملكة البريطانية فمنصب الملك شرفي ليس اكثر، فهو يملك ولا يحكم، ليس بصاحب قرار ولا يملك لأحد ضرا ولا نفعا، حتى السياسة ممنوع على ملك بريطانيا أن يكون له رأى فيها ولا أن يبدى وجهة نظره الخاصة على الملأ. الملك فى بريطانيا العظمى مجرد وجاهة وبريستيج ودلع منذ الصغر، لذا تجد أخبار الاسرة المالكة الشخصية من أهم ما يبحث عنه الصحفيون فى انجلترا خاصة لو كانت أخبارا تفوح منها روائح الفضائح وليس اخبار خلافات ديانا وزوجها الملك الحالى ببعيدة. ولا حتى أخبار كاميلا التى ستحرم من لقب الملكة كما قيل بتوصية من اليزابيث قبل وفاتها وستكتفى بلقب عقيلة الملك، وقد كانت مغامراتها كممثلة فاشلة وعلاقتها بتشارلز واحدة من أهم الأنباء التى تتداولها وسائل الاعلام الانجليزية.

وفاة اليزابيث وتولى ابنها تشارلز الملك لا يعنى شيئا للمواطن الانجليزى العادى، فملك انجلترا لا يملك ان يعين أو يعزل، لا يقرب أحدا ولا يميزه ولا عزاء للمنافقين فى كل مكان!

[email protected]