رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

صفحات من تاريخ الوطن (٢٥)

لقد أفزعنى رد فعل أحد أعضاء هيئة التدريس بإحدى الجامعات من المختصين فى علم التاريخ، عندما وجدته يهاجم بشدة وصف دخول العثمانيين مصر «بالغزو»، وأخذ يؤكد أنه «فتح»، وكان فزعى أكثر عندما أخذ يعدد محاسن هذا الفتح المزعوم، وكيف أنه تم بشكل أقرب إلى السلمية منه إلى الحرب!!.

وكان ردى التلقائى لنفسى اذا كانت الأيديولوجية الفاسدة تفعل هذا بعقول المتخصصين والأكاديميين؟؟!، فما حال أنصاف المتعلمين والجهلاء؟!، وكيف نحميهم إلا بنشر الحقيقة، وفضح أكاذيب العثمانيين الجدد، والعودة إلى منطق التاريخ ونصوص المصادر وعرضها للعلن حتى تكون ميسرة لعموم الناس، كما هى الحال مع أهل الاختصاص والمثقفين.

ومن أجل ذلك عمدت إلى التطرق فى مقالى هذا، وفى مقالى القادم إلى بعض الجزئيات الشائكة فى موضوع الدخول العثمانى إلى مصر، وعرضها وفقاً للمصادر الاصلية، وذلك على النحو التالى:

١– غزو أم فتح.

يغضب البعض اذا اقترن دخول العثمانيين مصر بلفظ «الغزو»، بالرغم من أن الكلمة تعنى اجتياح بلد ما والسيطرة عليها، ويصممون على استخدام لفظ «فتح»، فهل هم موفقون فى ذلك؟

لو جئنا إلى القرآن الكريم، سنجد فى سورة النصر وهى سورة مدنية ومن أواخر السور التى نزلت على رسول الله، قول الله تعالى فى الآية 1 (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ )، فهنا حسب قول الطبرى عن مجاهد يقصد بالفتح فتح مكة، ونقل القرطبى عن ابن عباس أنها بشرة بفتح مدائن فارس، وكل هذه المدن، كانت غير خاضعة لحكم الإسلام، ولذلك فقد عرف ابن منظور «الفتح» فى كتاب «لسان العرب» بأنه افتتاح دار الحرب أى ضمها لدار الإسلام.

فهل كانت مصر قبل دخول العثمانيين جزءاً من دار الحرب على الإسلام؟!

بالتأكيد من يقول ذلك فهو إما جاهلاً أو مدلساً، فمصر قبل بنى عثمان، كانت درة بلاد الإسلام، وحاضنة للخلافة العباسية، ومصر فى عهد المماليك هى من نظفت بلاد الشام من الاحتلال الإفرنجى، وهى من حطمت شوكة المغول، ونجحت فى شرح قلوبهم إلى الإسلام، وكانت مصر منارة العلوم الإسلامية فى المشرق والمغرب ونبغ من سكانها آلاف العلماء والفقهاء كالعز بن عبدالسلام وابن حجر العسقلانى وابن جماعة والقرافى والمقريزى...الخ،هذا بنما كان الاتراك العثمانيون حديثى عهد بالإسلام، وليس لهم باع بالعلوم الشرعية.

كما ان لفظ فتح لم يطلق على أى مرحلة من مراحل تاريخ مصر عقب فتح مصر على يد الصحابى الجليل عمرو بن العاص، فلا نقول الفتح الأموى لمصر ولا الفتح العباسى لمصر، ولا الفتح الأيوبى.

٢ – دوافع الغزو العثمانى.. التبرير والحقيقة.

يرى بعض المتحمسين للدولة العثمانية ان اتجاهها لغزو املاك الدولة المملوكية فى عهد سليم الأول، كان يرجع فى المقام الأول لقيامها بدورها فى حماية العالم الإسلامى من خطر البرتغاليين، بعد عجز دولة المماليك عن ذلك.

والحق ان حركة الكشوف الجغرافية واكتشاف البرتغاليين لطريق رأس الرجاء الصالح، كان ضربة قاسية لدولة المماليك، باعتبارها الوسيط التجارى الأول فى هذا العصر، وخصوصاً بالنسبة لتجارة المحيط الهندى ذات الأرباح الطائلة، وهذه الضربة هى التى أضعفت قوة المماليك سواء فى مواجهة البرتغاليين أو العثمانيين، ولكن الأكيد ان الغزو العثمانى لمصر فى عهد سليم، لم يكن سببه تقصير دولة المماليك فى مواجهة البرتغاليين، وإنما كان حلقة جديدة من حلقات الرغبة العثمانية فى تزعم العالم الإسلامى والسيطرة عليه، وهذا يتضح من تحرشات العثمانيين بدولة المماليك فى عهود برقوق وابنه فرج وخشقدم وبلغت ذروة السوء فى عهد قايتباى، حيث تعدد الحروب بين الطرفين، وذلك كله قبل نجاح حركة الكشوف الجغرافية.

 وقد وجد سليم أن هذه الفترة ملائمة لتحقيق الحلم العثمانى القديم، بسبب تضعضع هيبة المماليك وضعفها أمام البرتغاليين، وما ترتب عليه من حنق المسلمين عليها، كما ان سليم كان يتخيل انه بعد الاطاحة بالمماليك، سوف يتمكن من طرد البرتغاليين، والسيطرة من جديد على طرق التجارة الدولية التى تتحكم فيها مصر المملوكية، وهذا ما فشل فيه العثمانيون.

فنعم، تمكن العثمانيون من تأمين مكة والمدينة من غارات البرتغاليين، ولكنها لم تتمكن من تحجيم الوجود البرتغالى فى الخليج العربى والمحيط الهندى، واستمرت سيطرة البرتغاليين على العديد من موانئ الخليج العربى، كما فشلت الدولة العثمانية فى دعم مسلمى الصومال ضد اعتداءات الاحباش والذين كانت تمدهم البرتغال بالأسلحة الحديثة وبالمقاتلين.

 وهكذا يتضح أن الغزو العثمانى لمصر، كان عملية صراع سياسى مجردة بين دولة هرمة تعانى من عوامل الفناء وهى دولة المماليك، ودولة شابة قوية فَتِية تطمح للسيادة والسيطرة وهى الدولة العثمانية، والدليل على ذلك ما سنراه من قسوة وشراسة العدو المنتصر فى معاملة الشعب المغلوب خلال المقال القادم. 

وللحديث بقية..

عضو مجلس الشيوخ