رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

قبل أيام عرضت إحدى المحطات التليفزيونية فيلم «لا وقت للحب» قصة يوسف إدريس وأخرجه عام 1963صلاح أبوسيف، وأسند بطولته لفاتن حمامة ورشدى أباظة. والفيلم قصة حقيقية للمناضل اليسارى الدكتور حمزة البسيونى، أحد مؤسسى حزب التجمع فى الإسكندرية، الذى كان عضوًا فى اللجنة الوطنية للطلبة والعمال التى تشكلت فى فبرير 1946 للتصدى لديكتاتورية إسماعيل صدقى، والمطالبة بالجلاء ووحدة وادى النيل والعدالة الاجتماعية. ويروى الفيلم قصة المهندس حمزة، الذى يشارك فى أعمال فدائية ضد قوات الاحتلال البريطانى. وتقوده المصادفة للتعرف على المدرسة فوزية، التى تعجب بجسارته، وتقرر مشاركته ومساعدته فى التصدى لجنود الاحتلال، وتنجح فى إنقاذه من حملات التفتيش التى تستهدف اعتقاله. 

 وكان حمزة البسيونى قد التقى مع يوسف أدريس للمرة الأولى، حين جمعتهما زنزانة واحدة فى سجن أبوزعبل بعد اعتقالهما عام 1954، فروى له الواقعة التى صارت «قصة حب» فى مجموعة «جمهورية فرحات» لتتحول بعد ذلك إلى فيلم «لا وقت للحب». 

توقفت طويلاً أمام هذا الأداء الباهر لفاتن حمامة الذى يتسم بالعمق والسلاسة معاً ليتداعى بجانبه طبيعة الدور الذى لعبته هذه الفنانة الاستثنائية فى حياتنا. لون فنها الراقى الحياة بسعادة غامرة، مدها بلحظات لا تنسى من الفرح وربما الألم والتعاطف الإنسانى لكل ما تفعل وتقول. فقد كان حضورها الطاغى والملهم فى الفن والحياة، وتواضعها الرفيع، ومواهبها الفطرية المتدفقة، أيقونة لصدقها الفنى الآسر الذى نفذ بيسر ليتربع فى القلوب. 

 خطفت «فاتن حمامة» قلوب عشاقها من المحيط إلى الخليج، من باب لم يستطع أحد آخر أن ينافسها فيه، باب البساطة والبراءة والتلقائية. حباها الله بصوت كصوت الكروان، وبوجه لا يقارن بمقاييس الجمال الصارخة، لكنه يتكامل فى تكوينه الرقيق، ليقدم لوحة فاتنة لجمال خلاب يرسو فى الذاكرة، ويخطف الألباب من فرط عاديته ودقة ملامحه، وهو ما حق لمخرجها الأثير «بركات» أن يصفه هكذا: «وجهها هو الشعر، هو الموسيقى، لا مثيل له، ولا بديل عنه للتعبير عن المعانى التى أبغيها».. 

لم يكن التمثيل بالنسبة لها شهرة ومالاً وحضوراً دائماً فى قلب الأضواء، بل هو قضية تشغل تفكيرها ووجدانها، ومجتمعها، وحين تحمل من هى فى مكانتها تلك القضية، فالتأثير الإيجابى حاضر لا محالة. والأمثلة أكثر من أن تحصى. «آمنة» المحبة العاشقة والمتسامحة فى «دعاء الكروان» التى حملت على أكتافها أول معالجة لمسألة القتل ثأراً لقضايا الشرف فى السينما العربية، والحب الذى دفعها للمشاركة فى عمل سرى ضد الاحتلال فى «لا وقت للحب» ودعمها لقضية تعديل قانون الأحوال الشخصية لصالح النساء فى «أريد حلاً» ومناقشتها لقضية الديمقراطية فى «إمبراطورية ميم»، ومساندتها لأجيال جديدة من الممثلين والمخرجين، فى فيلمها «يوم مر.. ويوم حلو» للمخرج خيرى بشارة والسيناريست «فايز غالي».  كما عملت للمرة الأولى مع «داود عبدالسيد» فى واحد من أجمل أفلامها وآخرها «أرض الأحلام». 

حصنت «فاتن حمامة» حياتها الخاصة ضد التلصص والثرثرة الفارغة، وآثرت أن تكون العلاقة المباشرة بينها وبين العالم هى فنها وعملها العام. حين تدلى بأحاديث صحفية تقول فيها رأيها فى الشأن العام بحكمة وبصيرة، وتراكم ثقافى يتجلى فى إبدائها تلك الآراء.. 

لم تشغل فاتن نفسها بمعارك صغيرة، ولم تتلفظ بكلمة أو جملة تسىء إلى أحد من زملائها، فى أى لحظة، على الرغم من أن بعضهم قد وجه إليها بعض هذه الإساءات. 

ملأت فاتن حمامة حياتنا بالبهجة والرقة والعذوبة والتحلى بالمسئولية الفنية والاجتماعية. وقدمت عبر مسيرتها التى يصعب اختزالها فى كلمات قليلة نموذجاً فنياً وإنسانياً وحياتياً حين يفكر المرء فى الصورة المكتملة، لا يستحضر سواه. 

رحلت عنا «فاتن حمامة»  منذ 8 سنوات، لكنها تتربع فى القلوب مقرونة بلحظات الفرح والسعادة ومعياراً لكل جمال وذوق رفيع.