رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

 

 

من اللافت للنظر أننا شيئًا فشيئًا ننسلخ عن هويتنا بطبقاتها المختلفة لندخل فى عالم مجهول الهوية لدرجة أن بعض شبابنا لم يعد يسعده أن يتحدث بلغته العربية ولم يعد مقدرا قيمة أنه انسان مصرى !! ولو قلنا له بأن مصر هى التى صنعت الحضارة البشرية يفغر فاه مندهشا وينظر حوله من الخجل ليتأكد أن أحدا لايسمع هذا الهراء الذى نقوله !! وإذا أعدنا على مسامعه القول مصحوبا بالأدلة والبراهين يهرب من ذلك قائلا: مالى أنا ومال مصر القديمة ؟! نحن الآن دولة متخلفة ويحدثك عن أمله فى الهجرة والسفر إلى أمريكا أوأوروبا باعتبارها محط أحلامه وتحقيق آماله فى حياة متقدمة ؟!

وكم تشغلنى هذه الظاهرة التى تتنامى يوما بعد يوم رغم كل ماتحققه مصر الآن من تقدم واستقرار وتنمية مستدامة تكاد لو استمرت بهذا الزخم أن تنقل مصر فى غضون سنوات قليلة إلى مصاف الدول الكبرى فى العالم، وكم سألت نفسى عن العلل البعيدة لهذه الظاهرة، فالعلل القريبة لها كلنا يعلمها !! وقد وجدت بعض طول تأمل أن علة تلك النظرة الدونية لمصر وحضارتها هو فشل نظامنا التعليمى فى غرس الهوية المصرية فى عقول الأبناء، إذ فى أحسن الأحوال يعرف هؤلاء الأبناء أن مصر بلد عربي إسلامي وأن لغتها الأم هى اللغة العربية !! وبالطبع هذا شيء جيد، لكنه ناقص ؛ فمصر أبعد تاريخا وحضارة من ذلك وإليها يرتد أصل العرب أنفسهم، فضلا عن أنها بالفعل صانعة الحضارة المعجزة فى تاريخ البشرية تلك الحضارة القديمة التى صنعها المصريون على غير مثال سابق فهى الحضارة الجديرة بلقب « الحضارة المعجزة « على حد تعبير ويلسون فى كتابه عن مصر القديمة. إن من الغريب أن يعيد العبرانيون اللغة العبرية التى انمحت إلى الواجهة لتكون لغة للعلم وللهوية الإسرائيلية، بينما نحن نخجل من لغتنا القومية سواء المصرية القديمة أوالعربية الحديثة، من الغريب أن تكون اللغات الأجنبية الحديثة هى لغة للتعليم فى الكثير من مدارسنا وجامعاتنا بحجة أن هذا هو الطريق لاحراز التقدم غافلين عن حقيقة أنه لاتقدم لأمة إلا من خلال لغتها وقيمها وإنجازاتها الحضارية المتميزة !. والسؤال هو: كيف نطالب الأبناء بالانتماء للوطن ونحن لم نعلمهم ذلك منذ الصغر عبر دراسة مفصلة وواعية لتاريخ وطنهم وحضارته ولغاته !! كيف لانغار أيها السادة القائمون على نظامنا التعليمى على لغتنا العربية القومية ولانجعلها اللغة الوحيدة للتعلم فى كل مدارسنا وجامعاتنا بغض النظر عن أصل هذه المدارس والجامعات وانتماءاتها الخارجية ؟! كيف لايدرس الطالب المصرى تاريخ مصر وحضارتها دراسة وافية نظريا وتطبيقيا ؟! كيف لانتيح دراسة اللغة المصرية القديمة لكل الطلاب فى كل مراحل التعليم على الأقل كلغة بين اللغات الاختيارية الأخرى ؟! ألا تخجلون من أن يأتى الشاب والسائح الأجنبى قادرا على قراءة النصوص والنقوش على جدران المعابد والآثار المصرية القديمة وأبناؤنا غير قادرين على ذلك !!

 إن الآسى كل الآسى أن نتحدث عن بناء جمهوريتنا الجديدة ونحن فاقدون الانتماء لبلدنا غير عارفين بتاريخه ولا مقدرين قيمة حضارتها ولغاتها قديمها وحديثها، إننا بالفعل نحتاج – كما قلت مرارا وتكرارا – لثورة ثقافية وتعليمية تعيد لمصر هيبتها وتكشف عن قدراتها الحقيقية عبر الاعتزاز الحقيقى بتاريخها وقيمها الحضارية، ووعاء كل ذلك هو اللغة ! تخيلوا معى الطفل المصرى وقد درس اللغة المصرية القديمة إلى جانب اللغة العربية ولغة أجنبية حديثة، تخيلوه وهو يزور الأهرامات أوالآثار المصرية القديمة وهو قادر على قراءة تلك النصوص وفك شفرات الرسوم على الجدران، تخيلوا معى كم سيعتز ببلده وتاريخها إلى جانب اعتززه بحاضرها ومستقبلها، صدقونى إننا نقتل شغف الأبناء بتاريخ وحضارة بلدهم حينما نحقر من شأن لغتنا رمز هويتنا لصالح لغات حديثة بنت حضارتها الحديثة نهلا من حضارتنا قديمها ووسيطها ؛ فلقد بنيت الحضارة الغربية اليونانية القديمة مما نقلته عن الحضارة المصرية القديمة، وبنيت الحضارة الغربية الحديثة على ماأخذته من نتاج الحضارة العربية الإسلامية فى العصور الوسطى. علموا أبناءنا ذلك واغرسوا فيهم حب مصر بحقبها الحضارية المختلفة وبرهنوا على ذلك بتعريب التعليم ونبذ التعليم باللغات الأجنبية أيا كانت، ولتعلموا أنه إذا كانت اللغة الانجليزية هى لغة العلم الغالبة الآن، فقد كانت اللغة العربية هى لغة العلم الأولى قبلها، كما أن اللغة الصينية قد تكون لغة العلم الأولى بعدها. إن الحقب الحضارية تتوالى بأسياد جدد ولغات جديدة، وتبقى الحضارات العظيمة محتفظة بهويتها ومعتزة بأصالتها رغم التفاعل مع السيد الجديد للحضارة الانسانية رافضة أن تذوب فيه !! وهكذا كانت مصر عبر تاريخها الطويل وورغم تعاقب المستعمرين عليها، وهكذا ينبغى أن تظل الآن فى عيون أبنائها جيلاً بعد جيل.