رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

يرتبط التنوير ارتباطًا عضويًا بتحرير العقل من الأوهام وتحرير البشر من الاستبداد والطغيان، ولذلك ربط العديد من فلاسفة عصر التنوير فى القرن الثامن عشر بين التقدم وبين التحرر من سلطة الكنيسة، وغالبًا ما ارتبط نقدهم للدين بنقدهم للتسلط والقمع الذى يمارسه رجال الدين خاصـة لـو مارسوا السلطة السياسية أو على الأقل تحالفوا معها.

ففى رأى «ديدرو» أن اللاهوت والأخلاقيات المشتقة منه يلعبان دورًا معاكسًا ومضادًا لحقوق الإنسان، ويقفان فى طريق حريته. ومن رأيه أن رجال الدين عادة ما يحاربون العقل ويحضون على الجهـل ويروجون لمعتقداتهم اللامعقولة، لأن فى ذلـك ضمانًا لامتيازاتهم ولاستمرار وجودهم.

فالتحالف بين الدين والسياسة يعود بالفائدة على الطغاة، فلهؤلاء مصلحة فى تسميم عقول الناس بالخرافات، وفى اختراع الأشباح لتخويفهم وبث الذعر فى نفوسهم، وبالتالى فى تحويل الإنسان الحر إلى عبد ذليل.

ولا يختلف رأى «هلفشيوس» كثيـرًا عـن رأى ديدرو فهو أيضًا كان يدعو بصـورة دائمة إلى تقليص نفوذ الكنيسة فى فرنسا وهاجمها من وجهة نظر اجتماعية وليست لاهوتية. فهـو يرفض وجهة نظر الكاثوليكية فى تمجيد العزوبة والفقر، وهـو يـتهم السيطرة الكاثوليكية على التعليم لا لأنها تعوق التقدم الفنى والعلمى فحسب، بل لأنها تمكن رجال الدين من تشكيل ذهن الطفل وإخضاعه للسيطرة الكهنوتية التامة.

ويرى هلفشيوس أيضـًا أن الجهل والأحكام المسبقة هما مصدر الجرائم كافة ومنبع جميع الأمراض والمصائب التى تحـل بـالجنس البشرى. والأمم التى يسودها الجهل والأحكام المسبقة لا تستطيع أن تحافظ على قوتها وعظمتها وتقدمها. وأول ما يصطدم بـه تقـدم الأمم ونهوض العقل هو نفوذ الدين. والأذى التى تسببه المذاهب اللاهوتية أمر فعلى، أما الخير الذى ينشأ عنهـا فـهـو وهـم. والـوحـى مـن وجهـة نظـر هلفلشيوس ليس سوى وسيلة لحجب الحقيقة، ذلك لأن الفكـر الـدينى لا يتفق مع مبادئ التفكير الصحيح، فالتعليم الذى تدعو إليه السلطات الدينية مشبع بروح القهر والتسلط والنفاق، فمعظـم الـديانات تقريبـًا تحرم استخدام العقل وتعتبره جريمة من الجرائم ونزوع نحو الشك والإلحاد.

ومع ذلك فإن هلفشيوس لم يكن على ما يبدو ميالًا لخرق التقاليد الدينية والتنكر لها تماماً، فهو برغم إدانته الصارمة لأنماط الفكـر الـدينى التقليدى إلا أنه ارتضى أحيانا أن يطلق اسم «الديانة الكونية» على تلك المبادئ الأخلاقية السامية المستوحاة من تعاليم الفلاسفة الكبار، وهذه الديانة الأخيرة تتنافى مع اللاهوت التقليدى، فهى تنطوى على قيم أخلاقية خاصة ليس مصدرها الوحى، ولكن مصدرها الطبيعة والعقـل البشرى.

ومبادئ هذه الأخلاقيات الإنسانية يشبه مبادئ الرياضيات من حيث قابليتها للإثبات والبرهان. وهذه الديانة الكونية من وجهة نظره تتفق مع المصـالح العامـة وتحقـق السعادة البشرية وتتجـاوز الخلافـات والصراعات والانقسامات التى تنشأ نتيجة التعصب.

ولا يمكن لأى باحث أن يتحدث عن نقد الدين فى عصر التنوير دون أن يذكر المفكر الألمانى «دى هولباخ» وهذا المفكر بلغ فى هجومه على اللاهوت حدًا لم يصل إليـه أحـد مـن مفكرى عصـر التنوير. وقـد تميزت كتاباتـه بـالهجوم الشـرس على المسيحية، ففى ١٧٦١ أصـدر كـتـابـًا بعنـوان «المسيحية فى خطـر» ويُعـد هـذا الكتـاب هجومًا مباشرًا على تحالف الدين مع الدولة. وفيه يستبق كارل ماركس فى وصفه لتحالف الدين مع الطغيان بأنه (أفيون الشعوب) يقـول دى هولباخ.

«إن الديانـة هـى فـن تـخـدير الناس بالحماسة لتحـول بينهم وبين مناهضة المساوئ والمظالم التى يعانونهـا مـن حكامهم. ولـم يعـد فـن الحكم إلا مجرد الإفادة من أخطاء وخمول الذهن والنفس، وهى ما غرقـت فـيـه الأمـم بفعـل الخرافـة.. وبتهديـد الـنـاس بـالقوى الخفيـة استطاعت الكنيسة والدولة أن تفرضا على الناس أن يعانوا ويحتملوا فى صمت ما يلقون من عنت وشقاء مـن القـوى المرئية، وفرض عليهم أن يأملوا فى السعادة فى الحياة الأخرى إذا وافقوا على أن يكونوا بائسين فى هذه الحياة الدنيا».

وللحديث بقية.