عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

خارج السطر

كتبت مرارا أن تاريخ المسلمين ليس هو الإسلام. ثمة غلط متعمد يوظفه المتاجرون بالدين يقوم على اعتبار انتقاد أى فعل لإنسان فى الرعيل الأول من المسلمين هو كفرا بالإسلام وارتدادا عنه، لنجد مَن يرمى مفكرين كبارا مثل طه حسين، وأحمد أمين، ونصر أبو زيد، وغيرهم بالكفر لأنهم قرأوا تاريخ المسلمين قراءة عقلية ناضجة تخلع رداء القداسة عن الصحابة والتابعين والخلفاء.

وها هو إبراهيم عيسى ينضم لقائمة القتل المنتظر، ليس قتلا معنويا كما اعتاد واعتدنا، وإنما قتل مادي محتمل، بعد فتوى الشيخ أواب الحسنى بإهدار دمه، لأنه انتقد تصرفات وأعمالا قام بها خالد بن الوليد وحكتها كتب السير والتاريخ.

ولأنه عدّدَ خطايا وسقطات خالد فى حروب الردة، فقد صار إبراهيم عيسى مرتدا، عدوا للدين، وحلال الدم. ولأنه قال لمشاهديه «كن ابن سينا أو ابن خلدون إن شئت. لكن لا تكن خالد بن الوليد» فإنه صار هدفا مطلوبا لقناصة المتأسلمين الذين يشمشمون عن فريسة توصلهم إلى جنان الخلد كما يتوهمون.

يقول أواب الحسنى فى كتابه الخطابى الذى نشرته كافة مواقع السلفية الجهادية مؤخرا، بعد أن يحكم بكفر إبراهيم عيسى: «إن جبهة حرب الإسلام فى ميدان الإعلام أحوج ما تكون اليوم لسداد الثغور المنكشفة، فليصيبوا سهما لهم ولينالوا ما كتبه الله لهم من فضل الذب عن الله ورسوله ورجاله».

ولا نحتاج لخيال واسع لنتصور سيناريو القتل المحتمل، فنظرة خاطفة على واقعة استشهاد فرج فودة سنة 1992 وعلى غيرها هنا وهناك، لنتيقن أن الموضوع أبسط من بلعة ريق. وفى تصورى فإن إبراهيم عيسى هدف ممكن وسهل للغاية، لأنه يتحرك ببساطة وتواضع بين الناس، ولا يعرف سلاحا سوى القلم، وله خصوم فى كل مكان، وخلفه جمهور كبير من المتربصين والكارهين والحاقدين عليه سطوعه وتميزه.

إن كثيرين خارج معسكر الرجعية المتأسلمة يعادون التفكير ويستريبون فى كل خطاب قائم على العقل، لأنه يكشف خواءهم ويُعرى أرديتهم الكاذبة، كما أنه يمثل تهديدا لمصالح كثير منهم. وهؤلاء على استعداد دائم للتحريض فى الخفاء ضد إبراهيم وتقديم صورة نمطية عنه، باعتباره عميلا دائما لأعداء الإسلام، عسى أن يصل شخص جاهل له يوما فيريحهم منه. ووقتها سيذرفون دموعا كاذبة، وسيكتبون كلمات تأبين منمقة ثم سيعود كل منهم إلى محله راضيا.

أتذكر واحدة من روايات إبراهيم عيسى المبكرة والتى حملت عنوان «النهايات»، قدم الرجل تنبؤا بنهايته، وحكى عن جنازته ورأى قبره، مدونا عليه عبارة أثيرة تقول «أجمل ما فى موتى هو الكف عن إزعاجى لكم».

أظن وليس كل ظنى إثما، أنه لا يكفى أن نتضامن مع الرجل، ونطالب بحمايته، ونناطح مكفريه ونردعهم بالكلمة والحجة. إننا قطعا نحتاج لفضيلة أهم وأعمق وأبقى وهى ما قامت عليه مشروع إبراهيم عيسى، وما قامت عليه مشاريع ثلة من المفكرين والكتاب العظام السابقين والآنيين، وهى التفكير العميق، والتأمل، والتدبر فى كل شىء، ونزع القداسة عن التاريخ والشخوص والنظريات السابقة.

نحن نحتاج أن نُعمل العقل فى كل أمر.. ونُرسخ ثقافة الحوار والنقاش الهادئ المتحضر، حتى تبقى الكلمة الصادقة سكين المناضلين، وسكينة المؤمنين، وسكن المجددين، ويظل الابداع الفكرى العقلانى قبضة تحد فى وجه القبح. والله أعلم

[email protected]