رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فى كتابه الهام «الولد الشقى فى المنفى» يروى محمود السعدنى، جانبا من تاريخ مصر المعاصر، الذى كان شاهدا عليه ومشاركا فى صنعه .وفى عام 1958 كان «السعدنى فى مهمة صحفية فى دمشق، أثناء الإعداد لإعلان الوحدة بين مصر وسوريا، حيث كان يعمل محررا للشئون العربية فى صحيفة الجمهورية، التى أنشأتها ثورة يوليو لتتحدث باسم العهد الجمهورى، وكان «أنور السادات» يتولى آنذاك رئاسة تحريرها.

 وقبيل عودته للقاهرة سلمه قادة الحزب الشيوعى العراقى المقيمون فى دمشق، رسالة إلى الرئيس عبدالناصر. وبفطنته وحسه الفطرى السليم ، أبدى «السعدنى» دهشته من الفروق الواضحة العميقة بين من أسماهم «قادة الخنادق وقادة الفنادق» أى بين من يقودون معارضة نورى السعيد داخل العراق، ومن يعارضونه من الخارج. لم يكن السعدنى يعلم محتوى الرسالة، والأغلب أنهم طمأنوه بشأن أهدافها .وكان معروفا أن الحزب الشيوعى السورى يطالب بوحدة فيدرالية لا اندماجية، تبقى على الحياة الحزبية فى سوريا، وتعترض على حل الأحزاب. 

دفع «السعدنى» ثمنا باهظا لحمله تلك الرسالة «الثورية». تم فصله واعتقالة لمدة سنتين، بعد أن تبين أنها تحتوى على إنذار لعبدالناصر، بأن الشيوعيين العرب سيناضلون ضده وضد القومية العربية، إذا ما أقدم على حل الحزب الشيوعى السورى! 

غادر «السعدنى» مصر عام 1973 بعد الإفراج عنه فى قضية مراكز القوى  فى عهد الرئيس السادات. وحين أقدم على تأسيس مجلة «23 يوليو» الأسبوعية من لندن لمعارضة سياسة الصلح المنفرد مع إسرائيل، انكشفت أمامه طبيعة المعارضة المصرية لنظام السادات فى الخارج: حزب ثورى يتشكل لم يكن إلا مجرد دكان للاسترزاق، وعقد المؤتمرات فى أرقى الفنادق الأوروبية، ولا يكف زعيمه عن الحديث عن فقراء مصر، واسرته تتاجر فى الذهب والملابس الجاهزة وتقطن القصور.. وجرائد تصدر لمن يدفع أكثر. فى ساحة المعارضين فى الخارج، تشكلت جماعات مصالح  لا مشروع سياسيا وطنيا لها، يتم استغلال ظروف الهجرة للضغط على أفرادها، لاستخدامها لأهداف المال السياسى الذى ينفق عليها، ويمنحها الفرص لرغد العيش. وفى قلب هذه الساحة بات احتراف السياسة وظيفة، والمعارضة مهنة، وتحولت السياسة إلى تجارة، والمبادئ إلى طنطنة فارغة عن الكفاح لجلب الأموال حتى لو كان النضال من خندق الأعداء! 

ما لم يذكره «السعدنى» أن نظام السادات سقط، بفعل السياسات الداخلية المغامرة التى قادته للتحالف مع جماعة الإخوان، برغم إدراكه لتاريخهم الدموى فى صراعهم على السلطة مع العهد الملكى، ومع جمال عبدالناصر، ولم يكن للمعارضة الخارجية بطبيعة الحال أى دور فى تحقيق ذلك. لكن المؤكد أن المعارضة الداخلية ذات المشروع السياسى الوطنى التى تصدت لسياساته  الداخلية والخارجية  فى إطار من القانون والدستور، قد أحاطت نظامه بعزلة غير مسبوقة وأضعفته . 

 

ومشكلة أبواق المعارضة الحالية المطلوقة علينا من دول الغرب الأمريكى والأوروبى، وتطالب المصريين بالقيام بثورة ضد النظام المصرى ورئيسه، هى الأوهام التى خلقها لهم الانتشار الجنونى لوسائل التواصل الاجتماعى، فأتاح لخطابهم السوقى، ادعاء بطولات وهمية بتلفيق حكايات، وتزوير الوقائع، وترويج الأكاذيب، والزعم بامتلاك  قدرات وحقائق، للعب بالعقول، ودغدغة المشاعر.  مشكلة هؤلاء أنهم لا يعرفون  الشعب الذى يزعمون التحدث بهمومه، وهم يسبونه، لعدم استجابته لدعواتهم الثورية الملتهبة. المشترك بين هؤلاء ونظراء لهم فى الداخل بين بعض الناصريين والليبراليين واليساريين ،أنهم لا يملون من الدعوة لإعادة إدماج  جماعة الإخوان فى المجتمع السياسى، وإشراكها فى الحوار الوطنى. 

يقول السعدنى انه بعد نحو عقد فى منفاه الاختيارى، كشفت المعارضة المصرية فى الخارج، أن السياسة تجارة، وأنها أروج تجارة فى عصر الانحطاط الذى نعيش فيه الآن.