رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

انتهينا فى مقالنا السابق إلى أن الحجاب ليس مجرد قطعة قماش، بل هو رمز لهوية، وهو تأكيد لهيمنة الثقافة الدينية الأصولية، وهو أيضا جزء من استراتيجية متكاملة، الهدف منها السيطرة على جسد المرأة وعقلها تمهيدا للسيطرة على جسد الدولة.

إن القضية أيها السادة -فى رأينا- أكبر بكثير من الحجاب، إنها معركة الأصوليات الدينية الإسلامية، ليس فقط مع التنويريين ولكن مع الدولة المصرية ذاتها، إنها محاولة مستميتة لتديين الدولة وأسلمتها من خلال فرض الوصاية على الجموع وعلى الفضاء العام كمقدمة لإحكام قبضة رجال الدين على الدولة. والواقع أن معركة الحجاب ليست مجرد أزمة مستحدثة، بل هى واحدة من أهم متلازمات الإسلام السياسى، فكلما ازداد عدد رؤوس النساء المحجبات، كان ذلك دليلا على أن الشارع بقبضة تلك الجماعات، وكلما كان ذلك إشارة إيجابية على أن المناخ العام مهيأ دوما لاستقبال واعتناق هذا الفكر.

وجذور معركة الحجاب والسفور بدأت فى تاريخ مصر الحديث بعد 1967 وبعد أن اعتلى الرئيس السادات السلطة، وبعد أن منيت مصر بما سمى «الصحوة الإسلامية» التى رافقت العفو الساداتى عن قيادات الإخوان المسلمين، وظهور جماعات دينية جديدة خرجت من عباءة الإخوان مثل: الجهاد، والجماعة الإسلامية، والتكفير والهجرة وغيرها... من تلك الجماعات التى انتشرت فى المدارس والجامعات والنقابات، وفى الريف والمدن وكل القطاعات والطبقات. وكان فى مقدمة أهداف تلك الجماعات الترويج لثقافة الحجاب، فانتشرت فى كل مكان ملصقات تدعو النساء لارتداء الحجاب مثل: «حجابى هو عفتى»، «أختاه حجابك سر جمالك»، «الحجاب هو طهرك وعفافك».. وغيرها من هذه الشعارات.

ثم تطورت تلك الشعارات إلى ممارسات، ولم يعد الحجاب دالا فقط على العفة والطهارة والإيمان، بل أصبح مماثلا للهوية، للتمييز بين المسلمة وغير المسلمة، بين المتدينة والمتبرجة، ومن ثم فقد أصبح الحجاب خطا فاصلا بين الأنثى المسلمة التى يمتنع ويحرم إيذاؤها أو التحرش بها واغتصابها، والأنثى الأخرى المباحة والمتاحة التى تفتن الرجال، وتمثل لهم مصدرا للغواية ونداء للرذيلة، على النحو الذى جعل بعض الدعاة يصفون المرأة غير المحجبة بأنها مثل قطعة الحلوى العارية التى تجتذب الذباب!!

وقد فسر معظم المشايخ الآية 53 من سورة الأحزاب: «يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما» بأنها تنطبق على نساء المسلمين فى كل زمان ومكان، رغم أن الآية الكريمة كان الهدف منها هو تمييز نساء النبى والنساء المؤمنات عن غيرهن من الجوارى والإماء بحيث لا يتعرضن لما يتعرض له هؤلاء من أذى أوتحرش.

وهكذا فقد تم توظيف الحجاب من قبل جماعات الإسلام السياسى كأداة للفرز والتجنيب، وكوسيلة لإيجاد تراتبية أخلاقية ودينية بين امرأة مسلمة محجبة مصانة ومهابة، وأخرى مباحة ومهدرة ومهانة.

إن فرض الحجاب على المرأة وعدم تحريم وتجريم مؤسسة الأزهر للنقاب، هى كلها محاولات لما يمكن أن أسميه الوأد المعاصر لجسد المرأة. وعلى الرغم من أن النص القرآنى قد حرم بصورة قاطعة عادة وأد البنات، إلا أن هذه الجريمة النكراء ظلت تهيمن على اللاوعى الفحولى وما زالت تمارس دورها الفعال حتى اللحظة الراهنة، وهذا ما يفسر لنا هذا السعى المحموم لدى كل تيارات الأصوليات الإسلامية نحو إقصاء المرأة من الحياة العامة ومحاولة إخفاء ملامحها ووجهها وجسدها وصوتها، عبر حالة من الإخفاء والتصميت الشامل والمتكامل الذى يحيلها الى مجرد مسخ ليس له أى صفات أو ملامح أو تفرد، فتصبح كل النساء متشابهات من حيث المظهر والمسلك، ما دام أن دورهن لن يتجاوز حدود تلبية رغبات الرجال ونزواتهم.. وللحديث بقية.