رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

من الشعارات التى أصبحت مألوفة فى الراهن العربى مصطلح: «تجديد الخطاب الديني» وهو مصطلح يشبه الكثير من الشعارات البراقة التى تنطلق فى الفضاء الإعلامى مثل شعارات أخرى كحوار الديانات والتسامح الدينى... وغيرها من الشعارات الفضفاضة، التى لا تعنى فى نهاية الأمر شيئًا محددًا، وربما تكون مجرد لغو وثرثرة كاذبة وبلا معنى.

وزيف هذه الشعارات يعود لسببين: الأول غموض مصطلح الخطاب الدينى؛ لأنه لا يوجد خطاب دينى واحد وإنما يوجد خطابات متعددة: هناك الخطاب الدينى الرسمى ويمثله الأزهر، وخطاب الإسلام السياسى، وتمثله جماعات الإخوان المسلمين والجماعات السلفية والجماعات الجهادية، وهناك الخطاب الدينى الصوفى وتمثله الفرق الصوفية أو الطرق الصوفية، وهناك الخطاب الدينى الشعبى.. والأخير هو خطاب غير متجانس وشديد التناقض؛ لأنه يمثل المرآة التى تنعكس عليها كافة الخطابات الأخرى، فالتدين الشعبى نجد فيه سماحة التدين الصوفى ونجد فيه تزمت الخطاب الأصولى الرسمى أو الأزهرى، ونجد فيه عنف وصخب وتشنج الخطاب السلفى والجهادى، ولذلك يتسم التدين الشعبى ببراءته الشديدة أحياناً، وغوغائيته فى معظم الأحيان، أما الخطاب الدينى الاستنارى، أو الذى ينطلق من منطلقات التاريخ والتأويل فلا يمثل تيارًا، وقد يتردد صداه لدى النخبة المعزولة والمطاردة.

أما السبب الثانى فيعود إلى أن المقدس أو الدينى عادة ما يحاط بهالة من الخوف والترهيب بما يضفى عليه طابعًا مجاوزًا لما هو إنسانى أو دنيوى أو نسبى. ومن هنا نسأل كيف يمكن تجديد ما هو مقدس أو كيف يمكن أن يكون هناك حوار بين المقدسات أو المطلقات؟.

إن التجديد الدينى كما أفهمه لا يحدث إلا فى إطار من التجديد البنيوى للواقع الاقتصادى والسياسى والثقافى، فالتغيير الدينى هو بمثابة المتغير التابع لهذه المتغيرات، لا يمكن أن يحدث تغيير فى بنية الخطاب الدينى بمعزل عن التغيرات التحتية المرتبطة بالبنى الاقتصادية والسياسية، أما ما يتم تداوله الآن بوصفه تجديدًا للخطاب الدينى فهو أمر دعائى أو قرار فوقى ينصب بالأساس على تدخل الجهات الإدارية والتنفيذية فى شكل المادة الدينية المقدمة لوسائل الإعلام أو للتلاميذ والطلاب فى المدارس أو فوق المنابر، لكنه لا يتعدى ذلك إلى تغيير بنية الخطاب الدينى.

تغيير بنية الخطاب الدينى مسألة لا تتم بقرار إدارى فحسب، وإنما عن طريق تغيير فى الرؤية التى عن طريقها يتم التعامل مع التراث الدينى كأن نقرأ هذا التراث عن طريق منهج تاريخى أو تأويلى أو تفكيكى، وهذا أمر يحتاج إلى مناخ من الحرية السياسية والفكرية بما يضمن للمثقف أو المفكر الفرصة للتعبير عن رأيه بحرية ودون خوف، ولا يمكن أيضًا أن يتم تجديد الخطاب الدينى أو تغييره دون التسامح إزاء نقد المسلمات والأفكار والشخصيات والمؤسسات الدينية، لكنك عندما تسمع من يقول لك إن الصحابة خط أحمر، والأزهر خط أحمر، والشعراوى وغيره من الدعاة خط أحمر إذن لن يوجد حرية فكر أو حرية دينية، ومن ثم يصبح الحديث عن تجديد الخطاب الدينى عبثيًا لا مقبولاً.

وفى هذا السياق أقول لكم إن تاريخ كل من اليهودية والمسيحية يشهد على أنه قد تم نقدهما وتفكيكهما، بل وتجريحهما وازدرائهما بصورة لا يمكن لأحد أن يتخيلها، ومع ذلك مازالت اليهودية قائمة، ومازالت المسيحية تسود معظم بلدان أوروبا. إن لدينا حساسية مفرطة تجاه ما هو مقدس، ومساحة المقدس فى حياتنا تكاد تمتد لتشمل حتى الشخصيات الدينية والرموز غير المقدسة، وهذه مسألة تحتاج لفهم أنثروبولوجى وأركيولوجى للبحث فى جذور هذا الهوس بالتقديس.

أخلص من هذا إلى أن «التجديد الدينى» هو شعار ديماجوجى لا يعنى شيئًا سوى وضع بعض المساحيق على الوجه المتجهم للخطاب الدينى، بحيث يبدو مقبولًا ومستساغًا، لكنه لا يمس الجذور والأسس التى يقوم عليها الخطاب الدينى الأصولى، الذى يكاد يكون هو الخطاب الأكثر حضورًا فى المشهد المعاصر.