رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

يطرح مصطفى حجازى فى كتابه «الإنسان المهدور» مفهومًا أكثر جذرية من مفهوم الإنسان المقهور الذى قدمه فى الثمانينيات.. والإنسان المهدور هو الإنسان المستباح، العارى من أى قيمة، المُنتهك، الذى افتقد كلّ حق فى الكرامة أو الوجود، وبالتالى أصبح مباحًا بلا حصانة. وهو معنى يتجاوز مفهوم القمع أو القهر الذى يتضمن قدرًا من الاحتفاظ بكرامة الإنسان ولا يلغى تمامًا قدرته على الرفض أو التمرد أو الحرية. أما الإنسان المهدور فهو إنسان مستأصل من إنسانيته وغير معترف به.

هذا المعنى يذكرنى بمقولة شاعت لدى الجماعات الإسلامية الإرهابية فى مصر فى حقبة السبعينيات هى مقولة -أو إن شئنا نظرية- «الاستحلال»، وقد طبق الإرهابيون هذه النظرية–وما زالوا يطبقونها–على المسيحيين وعلى رجال الشرطة والجيش بوصفهم كفاراً. وطبقًا لهذه النظرية يصبح دم الكافر ونساؤه وأطفاله وماله أمرًا مستباحًا بالنسبة لهذه الجماعات، وقد طبقت هذه النظرية بصورة بشعة فى السطو على محلات الذهب خاصة التى يمتلكها المسيحيون وفى القتل العشوائى لرجال الجيش والشرطة وللأجانب الذين يجيئون إلى مصر لزيارة الآثار التى يعتبرها الإرهابيون أصناماً. ونظرية الاستحلال ليست اختراعًا جديدًا وإنما هى مستمدة من الآراء المتشددة للأصولية. وأكتفى هنا بالاستشهاد بهذا النص لشيخ الإسلام ابن تيمية حيث يقول: «وأما الكفار فلم يأذن الله لهم فى أكل أى شيء، ولا أحل لهم شيئًا ولا عفا لهم عن شيء يأكلونه، بل قال: (يا أيها الناس كلوا مما فى الأرض حلالً طيباً) فشرط فيما يأكلونه أن يكون حلالاً، وهو المأذون فيه من جهة الله ورسوله، والله لم يأذن فى الأكل إلا للمؤمنين به، أما الكفار فلم يأذن لهم فى أكل شيء إلا إذا آمنوا ولهذا لم تكن أموالهم مملوكة لهم ملكًا شرعياً، لأن الملك الشرعى هو المقدرة على التصرف الذى أباحه الشارع صلى الله عليه وسلم والشارع لم يبح لهم تصرفًا فى الأموال إلا بشرط الإيمان».

وعلى الرغم من أن الآية الكريمة التى استشهد بها ابن تيمية تتوجه بندائها وخطابها إلى الناس جميعاً، وليس للمؤمنين، إلا أن شيخ الإسلام يصر على فهمها بهذا المعنى بما يتناسب مع فتواه المليئة بالألغام والإرهاب، ويعاود القول عن استحلال أموال الكافرين، فيقول: «فكانت أموالهم على الإباحة... والمسلمون إذا استولوا عليها فغنموها ملكوها شرعاً، لأن الله أباح لهم الغنائم ولم يبحها لغيرهم» (ص 35).

وغنى عن القول أنّ أموال الكفار وأنفسهم وأولادهم ونساءهم وكل ما يمتلكون يعد مباحًا بالنسبة للمسلم وفقًا لفتوى شيخ الإسلام.

ونحن هنا أمام هدرين أو استباحتين: هدر تمارسه الطائفة الإرهابية على أفرادها فتنزع منهم كل صفات الاستقلال والتفرد والحرية والخيال والتمرد والرفض وتحيلهم إلى كائنات سلبية مروضة متقبلة لكل ما يقرره شيخ القبيلة أو أمير الجماعة. والفرد هنا مجرد مسخ بشرى يشبه العبد فى الثقافات القديمة، فالسيد يستطيع أن يبيع العبد أو يقرضه أو يسجنه، أو يزوجه أو يطلقه أو يسلبه رجولته (يخصيه)... إلخ. وبنفس المعنى فإن الفرد داخل الجماعة الدينية يخضع تمامًا لإرادة الشيخ أو الأمير أو الولى، والذى يجسد فى فكره وفى آرائه وفى قراراته إرادة مطلقة، ربما تكون إرادة الطوطم (فى الحضارات القديمة)، أو إرادة الرب (فى الديانات الكتابية).

أما الهدر الثانى فهو يرتبط بالأغيار، بالآخرين، بهؤلاء الذين لا ينتمون لطائفتنا أو ديننا. إن هؤلاء الأغيار تسقط عنهم صفات المواطنة والحقوق الإنسانية والحرمة البشرية، كما أن كلمة الكفار عند ابن تيمية تشمل ثلاث طوائف: كل من بلغتهم الرسالة وأنكروها وكذبوها، وكل غافل عن الرسالة سواء بلغته أم لم تبلغه، والمتردد أو الشاك... كل هؤلاء مستباحون بهذا المعنى!

وكل هؤلاء هم بالنسبة لهذا الخطاب خارج نطاق الإنسانية!