رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية فى الأسبوع الماضى شطب خمس منظمات إرهابية من قوائمها السوداء، ومن بينها الجماعة الإسلامية فى مصر والتى كان يتزعمها الإرهابى عمر عبدالرحمن، و«مجلس شورى المجاهدين فى أكناف بيت المقدس»، هو الذى يُطلق عليه الآن جماعة أنصار بيت المقدس، والتى سُميت باسم «ولاية سيناء» بعد مبايعة الجماعة لأبوبكر البغدادى خليفة لتنظيم داعش فى «سوريا والعراق». والكل يعلم جرائم هذه الجماعة الإرهابية على أرض سيناء الحبيبة والتى راح ضحيتها المئات من شهداء الجيش والشرطة. وهذا معناه أن الولايات المتحدة تريد منح الشرعية لهذه الجماعة الإرهابية، وتعطيها الضوء الأخضر كى تمارس إرهابها الأسود ضد مصر. ويبدو أن هذا التحرك الخبيث يأتى فى هذا التوقيت تحديدًا كرد فعل عقابى على موقف مصر المعارض لفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، وتبنى مصر لموقف معتدل إزاء الحرب الروسية الأوكرانية.

ولعبة توظيف الدين فى الصراعات الدولية والطائفية ليست جديدة، فهى اللعبة التى تجيدها المخابرات الأمريكية منذ نجاحها فى تفكيك الاتحاد السوفيتى، فعن طريق الدين المسيحى استطاعت أمريكا أثناء الحرب الباردة توظيف مجلس الكنائس العالمى فى صراعها ضد الاتحاد السوفيتى، وبالمثل استطاعت أن تنهك قوى الدب الروسى فى صراع عقيم مع حركة طالبان الإسلامية فى أفغانستان، وهى حركة أمريكية الصنع تماماً. وعن طريق استغلال الدين والتناحرات العقائدية استطاع الأمريكان تثبيت أقدامهم فى العراق وتفكيك مؤسسات الدولة العراقية إلى طوائف متحاربة يكفر بعضها بعضاً، وقد حاولت تطبيق السيناريو نفسه فى لبنان وليبيا وفلسطين وسوريا والسودان ومصر وفى عديد من دول منطقة الشرق الأوسطية، وسواء أطلقوا على هذه العمليات اسم «الفوضى الخلاقة» أو غيرها من أى مسميات خادعة، فإن الهدف الحقيقى هو إحداث فوضى مدمرة ومهلكة، الغرض منها تحطيم بنية هذه المجتمعات، وإحالتها إلى أنظمة بربرية يسودها المتطرفون اليمينيون، الذين يلتقون فى فكرهم ومبادئهم ومناهجهم مع تعاليم الرأسمالية الأمريكية.

وهكذا وجد الأمريكيون فى الدين لعبتهم المفضلة وغوايتهم الأثيرة، وهذا ما يفسر لماذا بارك اللوبى الصهيونى الأمريكى ميلاد حركة حماس فى فلسطين، تلك الحركة الأصولية التى خلقت انقسامًا حادًا وصراعًا على السلطة بين الأشقاء الفلسطينيين، كما أنها منحت الصراع العربى الإسرائيلى بعدًا لاهوتيًا يخدم فى نهاية الأمر الأيديولوجية الصهيونية بوصفها أيديولوجية تتأسس على الفكر الدينى.

من جانب آخر تلعب الأصوليات الدينية الإسلامية المعاصرة دورًا إيجابيًا يساعد على نجاح استراتيجيات العولمة بوصفها نظامًا يسعى إلى تفتيت وتذويب كافة القوميات القديمة، وتفكيك الشكل التقليدى للدولة، وخلق حالة من الهيولى (مصطلح استخدمه أرسطو ليصف به المادة الخام التى توجد فى حالة من العماء بلا تحديد وبلا شكل أو صورة تمنحها هوية محددة) السياسى، والتى من خلالها تتماهى كافة الثقافات المتنوعة داخل بوتقة ثقافية واقتصادية واحدة تقودها الأمبريالية الأمريكية. ولذلك فإن هذه العولمة المزعومة ليست فى التحليل الأخيرة سوى أمركة بشعة تتجمل بمساحيق الحداثة وأروع ما أنتجته التقنية.

إن العبث بالأديان لعبة خطيرة وقد تدمر من يمارسها، والجماعات الأصولية المتطرفة قد تصبح خطرًا جسيمًا لا يهدد فقط المجتمعات الفقيرة، بل قد يطال المجتمع الأمريكى نفسه مثلما حدث فى 11 سبتمبر المروع، وقد يطال هذا الخطر العديد من الدول الغربية الأخرى، وربما قد يهدد بتدمير بنية الحداثة الغربية برمتها.