رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

أشرنا فى مقالين سابقين إلى تغلغل الأسطورة فى كافة تفاصيل التراث الإسلامى، وخاصة فى مقولة الخلافة الإسلامية، التى تبدو كأنها مسلمة من المسلمات، ومن الملاحظات الجديرة بالذكر أنه لا يوجد تصور واضح لمفهوم الدولة فى الإسلام، ولم يحدد النص القرآنى شكلًا ثابتًا للحكم: خلافة أم ملكًا أم سلطنة، أم إمارة، أم رئاسة.. أو غيرها ومع ذلك ينظر المسلمون إلى دولتهم المنشودة لا بوصفها نظاماً سياسياً بشرياً فحسب، ولكن بوصفها تجسيدًا لشريعة الله. ويستمد هذا الاعتقاد مبرراته من الإيمان بأن أول دولة إسلامية قامت على الأرض هى دولة الرسول محمد فى مكة والمدينة وهى دولة استمدت دستورها وشرعية وجودها من نص مقدس هو القرآن الكريم الذى يعتقد أن كلماته قديمة قدم الذات الإلهية وليس هذا فقط، بل يؤمن المسلمون إيماناً راسخًا بأن دينهم هو الدين الصحيح بإطلاق، وأن الدين عند الله الإسلام، وأن الأديان التى سبقته قد تعرضت للكثير من التشويه والتحريف، ولذلك يشعر المسلم بتفوقه واستعلائه على كافة الديانات الأخرى خاصة فى المجتمعات التى يمثل فيها المسلمون الأغلبية الساحقة.

إن الدولة التى تكون ذات هوية إسلامية يجب أن تستند فى مبادئها ودستورها وقوانينها إلى كتاب الله وسنته وإلى شريعته وحدوده. ومن ثم فإن مصدر السلطة فى الدولة الإسلامية ليس هو الشعب وليس العقل أو القانون الوضعى ولا أى سلطة أخرى غير سلطة الله. وحتى لو ذهب البعض أن السيادة فى الدولة الإسلامية مستمدة من الأمة، فإن مفهوم الأمة نفسه يعانى غموضًا واضطرابًا، إذ إنه يتأسس على المفهوم المتعصب للعقيدة الواحدة ولا يرتبط بالحدود الجغرافية لدولة معينة! وفى هذا المعنى يقول حسن البنا: «أما وجه الخلاف بيننا وبينهم فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية».

إن الحاكم فى الدولة الإسلامية، وفى أية دولة دينية يحكم باسم الإله، وفى هذا السياق يذهب الماوردى إلى أن الله فضل الإنسان على سائر الكائنات، ثم فضل الملوك على سائر البشر إذ كرمهم بالصفة التى وصف بها نفسه: ملكا، وبهذا المعنى فإن الملوك خلفاء الله فى الأرض. وهناك مماثلة بين الله والسلطان فإذا كان الله واحدًا فإن السلطان ينبغى أن يكون واحدًا أيضا. الأصل فى الإسلام أن السيادة لشرع الله ولدينه. بمعنى أن الحكم لله وحده وليس لأحد حكم ولا شرع معه (مبدأ الحاكمية)، وعلى الأمة أن تتقيد به ولا تخالف أمره.

ولا ريب فى أن الدولة التى تستند فى دستورها وقوانينها وأحكامها ووجودها إلى نص مقدس لابد من أن تصبح مقدسة، وبالتبعية فإن الحاكم فى هذه الدولة سيكون مقدسا أيضا لأنه يحكم باسم الإله وباسم نص مقدس. إنه ظل الله على الأرض وتجسيد لإرادته ومشيئته. والمتوقع فى هذه الحالة أن أى خلاف أو معارضة أو نقد لهذا الحاكم سيكون نوعا من الكفر والعياذ بالله لأنه سيكون خلافًا ومعارضة ونقدًا للإله وليس للحاكم.

خلاصة الأمر أن الدولة التى يروّج لها دعاة الإسلام السياسى بدءًا من جماعة الإخوان والسلفيين ووصولا للدواعش وبوكوحرام وغيرها.. هى دولة إرهابية لا تستهدف إخضاع الدين للسياسة ولكن تستهدف بالأساس تحويل السياسة إلى دين، وتحويل النسبى إلى مطلق، وتحويل الدنيوى إلى مقدس. وبهذه الصورة فإن الإسلام السياسى لا ينزع عن الدولة نوازعها الإنسانية فحسب، بل إنه يحولها إلى دولة مقدسة ربما تتفوق فى جمودها على مدينة الله لأوغسطين، مدينة لا مكان فيها للنساء، ولا للرحمة، ولا للحب، ولا للتسامح، ولا للأديان المخالفة، مدينة لا مكان فيها للفلاسفة ولا للعلمانيين ولا للمبدعين، ولا قيمة فيها للجمال والخيال والحرية، مدينة لا معنى فيها للمواطنة ولا للفرد ولا حتى للإنسان.