كاريزما
منذ ثمان سنوات رحل الشاعر العربى من لبنان سعيد عقل (١٩١٢_ ٢٠١٤) وهو من أكبر الشعراء المعمرين فقد تجاوز قرنا من الزمان بعامين عمل بالتعليم والصحافة والدبلوماسية وانتمى إلى الحزب القومى السورى سبع سنوات وكتب نشيدها سوريا فوق الجميع.
قابلت سعيد عقل فى بيروت فى سبتمبر عام ١٩٩٣ أثناء الاحتفال بمهرجان الشباب العربى بلبنان وكنت مشاركا من خلال وزارة الشباب المصرية وكان معنا وزير الشباب الدكتور عبد المنعم عمارة، وفى إحدى الليلات حضرنا عرضًا مبهرًا فى مسرح كركالا وهو أحد أهم المسارح الاستعراضية فى العالم العربى ولفت نظرى سيارة فارهة تدخل بثقة بين الجماهير المنتظر بداية العرض ونزل رجل شديد الأناقة ومعه سيدة تفوح منها أفخر انواع العطور ووصل إلى سمعى ان هذا الرجل هو الشاعر سعيد عقل وعرفت ان بداية عرض المسرحية متوقف على حضوره ولهذا بدأ العرض فى الحال.. وأثناء الاستراحة تقدمت إلى سعيد عقل وطلبت منه أن يسمح لى بلقاء صحفى لجريدة الوفد وكان معى الزميل الصحفى الناقد الشهير عصام زكريا واتفق معه على حوار فى روز اليوسف.
المهم اننى قابلت الرجل فى مكان إقامته فى فيلا رائعة فى منطقة جونية الساحرة على البحر مباشرة وعرفت أجواء وحياة الشاعر الكبير الذى لم أكن أعرف عنه سوى أن فيروز غنت له قصائد مر بى والقدس فى البال سيف فليشهر ويارا وشال والى عاصى وغيرها
ولكن كان أقربها إلى نفسى مر بى لما لديها من تركيبات لغوية عبقرية ومن تأثرى الكبير بهذه القصائد اخترت عنوان مقالى اليومى فى الوفد لمدة ثلاث سنوات من أجواء القصيدة وهى أجمل التاريخ كان غدا وله قصيدة يقول فيها غنيت مكة أهلها الصيدا والعيد يملأ أضلعى عيدا
سعيد عقل كان يجيد من اللغات إلى جانب اللغة العربية اللغات اللاتينية والفرنسية والإنجليزية وكانت له عشرات الكتب الإبداعية والدبلوماسية، وهو غزير الإنتاج فى شتى المجالات فهو صاحب نشيد جمعية العروة الوثقى للنسور ولنا ملعب وله عشر مسرحيات أهمها بنت يفتاح والمجدلية وقدموس وله كتاب فريد اسمه لبنان أن حكى صدر عام ١٩٦٠ وتم ترجمته إلى اثنى عشر لغة وطبع منه ثلاث وأربعين طبعة وهو عبارة عن سرد تاريخى للأحداث غريبة شكلت ملامح الوطن العربى إلى أساطير مدهشة تمتلك حد اليقين على حد تعبيره.
ومن أهم كتبه أيضا كتاب مشكلة النخبة ١٩٥٤ ويناقش فيه أزمات المثقفين العرب وكأنه يناقش حالنا اليوم وله كتاب غريب فى كينونته هو خماسيات بالحرف القومى اللبنانى وهى عبارة عن قصائد تجمع بين الفصلين والعامية فى نماذج لا ينجح فيه الا الكبار وقد كتب الشاعر بشارة الخورى فى بدايات القرن العشرين قصيدة تقترب من مزج اللهجتين غناها محمد عبدالوهاب بعنوان يا ورد مين يشتريك.
سعيد عقل يقول فى إحدى القصائد العامية بحبك ما بعرف هن قالولى ومن يومها صار القمر أكبر.. ع تلالنا.
سعيد عقل حالة إبداعية قلما تتكرر. نحن ودعنا فيه تاريخا.. وليس مجرد شاعر عابر، فقد نحت فى كل خريطة عربية رؤية بانورامية تعكس عمق تفهمه للفن والشعر وصارت صداقة كبيرة بينه وبين القارئ لانه رسم روح وقلب كل عربى فى قصائده.
Nader nashed 7777a gamail com