رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

تحدثنا فى مقالنا السابق عن مكانة الأسطورة فى الخطاب الإسلامى واليوم نستكمل ما بدأناه ونناقش دور الأسطورة فى تعزيز حلم الخلافة الإسلامية. وواقع الأمر أن الأسطورة تكتسب قوتها عن طريق تكرارها أو عبر بعدها الشعائرى أو الطقوسى (مثل احتفالات عاشوراء، والإسراء والمعراج، العشاء الرباني... إلخ). وأيضا عن طريق إعادة إحيائها وإدخالها وإدماجها فى ممارسات سياسية جديدة، وأقرب الأمثلة على ذلك عقيدة الأرض الموعودة لدى اليهود، وعقيدة عودة الإمام الغائب لدى الشيعة وعقيدة قيامة المسيح لدى المسيحيين، وعقيدة عودة الخلافة الإسلامية لدى المسلمين.. فى كل هذه الحالات تبدو الأسطورة وعدًا وحلمًا ليس له حدود أو ملامح محددة، حلًا سحريًا شاملًا لكافة المشكلات والأزمات التى يواجهها الإنسان. وتكمن قوة الأسطورة فى خياليتها المفرطة وفصاميتها وتعاليها على الواقع البائس الرديء الذى تعيشه شعوبها. وكلما أمعنت الأسطورة فى الابتعاد عن الحياة الأرضية الحسية اليومية وحلقت فى آفاق الغيب والمجهول والمعجز والمنتظر استحوذت على عقول ومشاعر المؤمنين بها وجعلتهم أكثر خضوعًا وتصديقًا لها. ولذلك ليس بمستغرب أن تشكل الأساطير الأساس الأيديولوجى لمعظم أنماط اللاهوت السياسى سواء تحدثنا عن شعب الله المختار، أو مملكة الرب، أو الفرقة الناجية، أو الأئمة الإثنى عشرية، أو خير أمة أخرجت للناس.. كلّ هذه المعتقدات ذات أصل جينيولوجى واحد يرتبط بالأسطورة المؤسسة لجميع الأفكار الدينية الأصولية، وأعنى بها أسطورة «النقاء والاصطفاء» وعلى هذا النحو تقف الأسطورة دائمًا خارج تخوم التاريخ، إنها تمثل بالمعنى الدقيق ما يمكن أن نسميه «ميتا تاريخ»!

إن الأصوليين الإسلاميين على اختلاف أطياف ألوانهم وأشكالهم يتقاسمون جميعا حلمًا أسطوريًا واحدًا هو حلم الخلافة الإسلامية. لا يختلف الأمر فى هذا بين شيوخ الأزهر أو الإخوان المسلمين، أو بين أنصار داعش أو أنصار بيت المقدس أو أنصار الجماعات السلفية بكافة فصائلها.. الجميع ينظر إلى دولة الخلافة بوصفها هدفًا، وباعتبارها حلمًا مثاليًّا وطوباويًّا ينتظر تحقيقه على أرض الواقع، بل يجب الجهاد وبذل الأموال والأنفس والتضحية بكل شيء من أجل الظفر بتحقيقه. ولهذا تغيب فكرة الوطن عن وجدان أصحاب تيارات الإسلام السياسيّ، لأنّ الإسلام بالنسبة إليهم أيديولوجية أممية لا تعترف بالحدود الجغرافية، وتسعى وتجاهد من أجل تأسيس إمبراطورية إسلامية ضخمة مثل دولة بنى أمية أو دولة الخلافة العثمانية.

وإذا كانت أسطورة الخلافة الإسلامية تمثّل الحلم الأكبر لدى الأصوليين، فإن هناك أساطير أخرى تلعب دورًا داعمًا ومساندًا لهذا الحلم الأكبر نذكر منها: الحاكمية، ولاية الفقيه، الجهاد، إجماع الأمة، الفرقة الناجية، الإمام الغائب... وغيرها من المسلمات الأسطورية التى يتم استحضارها وتوظيفها فى اللعبة السياسية الراهنة.

قبل أن أنتهى من الكلام عن هذه الإشكالية يجب أن نفرق بين أساطير ذات طبيعة دينية (أو ذات أصل إلهى مقدس) ثم تحويلها إلى أساطير سياسية، وبين أفكار وضعية وإنسانية تم أسطرتها وتحويلها إلى أيديولوجيات بالمعنى المثالى الذى يحاول أن يتجاوز التاريخ، غير أنه من الظلم الشديد أن نساوى بين هذه الأفكار الوضعية التى ناضل الإنسان من أجل إبداعها فى عصرى النهضة والتنوير وبين تلك الأساطير، التى تنتمى إلى أصل مقدس، خاصة وأن هذا النوع الأخير من الأساطير يصبح ذا قوة مدمرة وضارة عندما يلتحم بالممارسة السياسية. وعند هذه النقطة تكتسب الأسطورة سلطة مطلقة تتجاوز أساسها التاريخى أو الخيالى الموهوم؛ لتستحيل إلى واقع حى وحقيقي، ينفى أى واقع آخر، بل وربما يصبح هو الحقيقة الوحيدة الصحيحة لأن المطلق دائما واحد ولا يقبل التعدد. من هنا فإن الأساطير الدينية السياسية ترتبط بفائض رهيب جدًا من العنف والقسوة والإرهاب. وعادة ما يتوجه هذا الفائض العدوانى تجاه معتنقى الأساطير الأخرى المغايرة، أو بمعنى أدق تجاه أصحاب المقدسات الأخرى. فالمقدسات لا يقبل بعضها بعضا، ودائما ما تتناحر وتتقاتل وتتصارع من أجل ما يسمى وهم الحقيقة المطلقة! إن الخلاص الحقيقى فى الأساطير المقدسة، لا يتحقق إلا عن طريق إقصاء وموت وإفناء الآخر.. وربما يتطلب الأمر حربا مقدسة طويلة تراق فيها بحار من الدماء ويقتل ويذبح فيها الكثير من الشيوخ والأطفال والنساء.. لا بأس، لا بأس طالما أن كل ذلك يتم تحت راية الإله وتحقيقًا لغاية مقدسة!