رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

أعاد مشهد اغتيال الراهب أرسانيوس وديد إلينا كافة صور الإرهاب التى مورست باسم الدين منذ حقبة السبعينيات وحتى الآن. ودائمًا ما يتم التذرع بأن الإرهابى الذى قام بجريمته مختل من الناحية النفسية أو العقلية. وهذه عادة ما تكون محاولات خسيسة للإفلات من الجريمة. ولا أظن أن جريمة الإسكندرية ستكون الأخيرة فى المسلسل الدامى للإرهاب لأن منابع الإرهاب لم تزل متدفقة وغزيرة ومتجددة بفعل الكتب التراثية التى تمتلًا بها رفوف المكتبات، والتى تدرس للطلاب بالمدارس والجامعات، فضلًا عن أن أئمة السلفية الكبار وتلاميذهم من أمثال ياسر برهامي، والحويني، وحسان، ورشدي، ويعقوب مازالوا يمارسون حريتهم الحركية والدعوية بلا خوف أو قيد!

إن الإرهاب يرتبط بنيويًا بالتطرف الديني، فالمصدر الذى منه تتكاثر وتتوالد كافة الأفعال التى توصف بأنها إرهابية يقف وراءها التطرف الدينى، إن هذا الإرهاب يولد فى الرأس فى الجهاز المعرفى للإنسان، وهو شكل خاص جدًا من الإرهاب يختلف نوعيًا عن الإرهاب السياسى التقليدى لأن أصحابه يقتلون باسم الإله، ويؤمنون بأن رسالتهم مقدسة، وأن غايتهم سامية، وهى الدفاع عن عقيدتهم فى وجه خصومهم وأعدائهم. هذا الشكل من الإرهاب يتأسس من خلال منظومة معينة من المعتقدات والمسلمات الإيمانية التى تجعل صاحبها يعتقد أن ما يقوم به من إرهاب هو جهاد فى سبيل الله وفى سبيل تحرير العالم من مصادر الشر الكامنة فيه.

إن الإرهابى لديه فائض رهيب من النزوع العدوانى التدميري، وهذه نتيجة طبيعية لتعصب وتسلط المتطرفين، ويتجلى هذا الأمر واضحًا فى عدم قدرتهم على الحوار أو تقبل الآخر أو احتواء الاختلاف والتنوع والمغايرة. ويتجلى أيضًا فى الاستسلام للنظرة الأحادية والإحساس الدائم بالخطر والتفكير بمنطق المؤامرة. وبالتالى فإن الشخص المتطرف دينيًا يعانى من اضطراب وتصدع علاقاته الإنسانية والاجتماعية مع الآخرين، ويعانى من العزلة ومشاعر الإحساس بالاغتراب الحضارى والثقافي، ومع ذلك فإن هذه العزلة لا تؤدى به إلى الانزواء والعزوف عن الآخرين، بل على العكس يسعى المتطرف بكل قوته لنشر رسالته المقدسة بكافة الوسائل التبشيرية أو العنيفة، وغالبًا ما يتخذ المتطرفون من العنف وسيلة لنشر أفكارهم.

ومن الوسائل الرخيصة التى يتبعها المتطرفون لتحقيق غاياتهم وللقصاص من خصومهم: «آلية التكفير». وآلية التكفير آلية بسيطة وغير مكلفة، ومبررة فى فضاء عام مشبع بالفكر الديني. فإذا أردت الانتقام من شخص فما عليك سوى أن تسقط عليه تهمة التكفير. وبمجرد إلصاق هذه التهمة بشخص (أو طائفة) يصبح هذا الشخص هو وأسرته وما يملك شيئًا مستباحًا ويصبح من الميسور على أى شخص تافه ينتمى لأى جماعة من الجماعات الإرهابية أن يتولى بنفسه القيام بمهمة اغتيال هذا الآخر وإباحة دمه!

إن المعركة التى يخوضها الإرهابى مع مجتمعه متسلحًا بجموده العقائدى هى معركة تتأسس على مقولة: «إما – أو»: إما مؤمنون أو كافرون، إما إسلاميون أو علمانيون، إما فضيلة أو رذيلة، إما حلال أو حرام، إما إسلام أو جاهلية. لا معنى لدى الذهنية الإرهابية للأفكار البينية أو التى تقع فى المنتصف بين المتناقضين.

إن هذا النوع من الثنائيات هو ثنائيات معرفية، نوع من البارانويا الفكرية بمقتضاها تتوحد الذات العارفة مع أطرها المرجعية معتبرة ذاتها حاملة الحقيقة الوحيدة، الحقيقة الصحيحة والمطلقة.

بعبارة أخرى فإن أزمة العنف الدينى ليست أزمة عاطفية أو سيكولوجية فحسب، بل إنها أزمة منطقية – معرفية تتعلق بأحادية الحقيقة لدى المتطرف، فالرحم المنطقى هو المسئول عن العنف المقدس وعن إرهاب الآخر وإخضاعه لما نخضع له ونؤمن به، ولذلك فليس أمام المتطرف الدينى سوى طريق من اثنين: إما أن يهزم أعداء الإيمان ويسحقهم، وإما أن يهديهم إلى الطريق الصحيح الذى يؤمن به. فالحقيقة بالنسبة له واحدة والخطأ متعدد. إن منطق الثنائيات المعرفية هو منطق إرهابى يتنافى مع طبيعة البشر، ويتعارض مع طبيعة الحقائق والأشياء، والتى تشبه جميعها ثراء وتنوع ألوان الطيف. ولا ريب فى أن اختزال الإنسان والعالم والأشياء وفق منطق: إما – أو هو نوع من التفكير القمعي، المرضى الذى يمنح أصحابه تبريرًا سهلًا ورخيصًا لممارسة الإرهاب، ولإطلاق أسوأ وأحط النوازع العدوانية.