رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

أفاق العالم بعد فترة من السبات الطويل، ومن الأحلام الوردية التى ظنت بأن العالم صار قرية كونية واحدة، وأن الأيديولوجيات قد انتهت بغير رجعية، أفاق هذا العالم على حرب بين قيصر روسيا الجديد، وبين الممثل المهرج فلاديمير زيلنسكى رئيس دولة أوكرانيا صاحب المزاج الغربى الرأسمالى والهوى الأمريكى، وهذه الحرب فى نظرى ليست حربًا واحدة، بل إنها مجموعة حروب بين روسيا ومعها الصين وكوريا الشمالية وسوريا وآخرين، وبين أوكرانيا ومعها دول التحالف الأوروبى وأمريكا وآخرين أيضًا، وأتوقع أن نيران الحرب ستنال دولًا كثيرة، وإننا بالفعل مقدمون على حرب عالمية ثالثة، سوف تغير موازين القوى فى العالم وسوف تتغير المفاهيم التى استقرت لفترة طويلة من الزمن بعد أن صدقنا ذلك النصاب اليابانى الأمريكى «فوكو ياما» فى كتابه «نهاية التاريخ» الذى تنبأ فيه بأن الأيديولوجيات قد انتهت وسقطت مع سقوط الاتحاد السوفيتى، وأن العالم كله أصبح فى قبضة الرأسمالية، وأن روسيا نفسها والصين لن يخرجا عن فلك الرأسمالية العالمية!

ومع ذلك لا يجب أن نتفاءل أو نتوقع أن العالم الجديد الذى ربما يولد خلف الموت والدمار، ووراء الخوف وجثث الموتى والانهيار سيكون عالمًا سعيدًا، لماذا لأن بوتين ليس جيفارا، ولا حتى لينين، ربما يكون ستالين أو قيصر جديدًا. نعم شعوبنا المقهورة تتطلع دومًا لمخلص أو منقذ، ولكن لا أظن أن بوتين سيبعث الاشتراكية من قبرها القديم، وهو لا يحمل للحالمين بالحرية والعدالة الاجتماعية أية وعود، إنه فقط ساحر جديد استطاع بجرأة غير مسبوقة أن يواجه الساحر الأمريكى الأعظم ويُبطل سحره الأسود، وأن يبرهن لنا وللعالم أن أمريكا خرافة، وأن الليبرالية الجديدة لا تختلف عن ليبرالية الرأسمالية المتوحشة سوى فى الاسم فقط، وأن اللعبة لم تزل هى هى، ولم تتغير، فعلاقة العبد بالسيد هى الجدلية التى مازالت تحكم التاريخ، والشر هو الذى ينتصر على الخير، فالواقع على العكس تمامًا مما كان يحدث فى أفلامنا المصرية الساذجة! فالشر دائمًا أقوى من الخير، ولا مكان فى هذا العالم للضعفاء أو البؤساء، فالعالم تحكمه القوة والثروة والبقاء ليس للأصلح، وإنما البقاء سيظل دومًا للأقوى!

وهنا لابد من أن يُثار سؤال: هل انتهت وعود الحداثة وعود عصرى النهضة والتنوير، والتى كانت تزعم بأن العقل هو الذى يحكم العالم، وأن راية الحرية سترفرف فوق رؤوس جميع الشعوب؟ ترى أين ذهبت أحلام فلاسفة التنوير: جان جاك روسو، وجون لوك، وفولتير، وديدرو، ودى هو لباخ، وهلفشيوس، وغيرهم؟ أين ذهبت تصورات ماركس وإنجلز الحالمة حول عالم يسوده العدل والحرية، عالم تختفى منه الدولة وتنمحى الطبقية وتتحقق فيه جنة: من كل بحسب طاقته إلى كل بحسب حاجته؟

لقد أدت الحرب الأخيرة إلى سقوط ورقة التوت التى كانت تستر بها الحضارة الغربية عورتها، فإذا بالغطاء ينكشف وصندوق باندورا يفتح من جديد، ونجد – ولأول مرة فى تاريخنا المعاصر– أن المصادرة لم تقف عند حدود مصادرة رؤوس الأموال الروسية فى البنوك الأوروبية والأمريكية فحسب، بل أن المصادرة امتدت إلى مجالات الفن والثقافة والرياضة، فتم منع تدريس دوستويفسكى العظيم فى بعض الجامعات الأوروبية، ودعت بعض الجهات الإعلامية إلى ضرورة حذف اسم كارل ماركس من غرف الدراسة بجامعة فلوريدا، رغم أن ماركس لم يكن روسيًا وكان ألمانيا، لكن اسمه ارتبط بالثورات الاشتراكية وبالاتحاد السوفيتى القديم! ترى هل سقط مشروع الحداثة الغربية، مشروع الحرية والعقلانية والعدالة الإنسانية؟ نؤجل الإجابة للمقال القادم.