عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

مكنونات الثقافة المصرية:

 

 

وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ..(الآية 82 من سورة الأعراف). هؤلاء الأناس هم من كانوا مع لوط ولم يأتوا الفاحشة، فكان جزاؤهم إخراجهم من ديارهم لأنهم قوم يتطهرون. وما كان إخراج لوط إلا أنه وبخهم على فعلهم القبيح واقترافهم ما حرم الله عليهم من العمل الخبيث.. ومن يومها والدناسة تحاول أن تعلو على الطهارة، والجمال يُحارِب من القبح.

فهل أصبح الطهر فى زماننا جريمة ؟ وهل أمسى الجمال ذنبا؟ لقد أصبح المتطهرون الآن يُعابون بغير عيب، ويُذموا بغير ذنب. وطغى القبح على الجمال، وبات الاستثناء هو القاعدة. وهذا هو سر تخلفنا وتخبطنا.

فى دواوين الحكومة غالبا ما يصل المنافق الذى لا يعمل، وذلك على حساب المطحون فى العمل. وفى تولى المناصب العليا فى الدولة قد لا نجد الشخص الكفء، بل يصل من تثق السلطة فى ولائه بصرف النظر عن كفاءته أو حتى تقارير الجهات الرقابية. وبذلك تطرد العملة الرديئة العملة الجيدة.

لقد أصبح الجمال نقمة والقبح نعمة. والأدهى أن يُخفى الإنسان وراء جمال الشكل قبحا عميقا؛ ذلك القبح الذى يظهر فى الفكر الملوث والصوت العالى الأجوف. وأصبح القبح يملأ شوارعنا، نراه فى زحف جيوش الأسفلت على الخضرة، وفى تشويه الطراز المعمارى للبنايات القديمة، وفى الكبارى التى تخترق البيوت، وفى أطنان الزبالة فى الطرقات، التى أفرزت زبالة التعامل، فالكل يُظهر العداء للكل، واختفت الابتسامة من على الوجوه، وحل محلها توجس وعبوس. ونسى الجميع أن التبسم صدقة، وأن الابتسامة تفتح مغاليق القلوب.

إن القبح لا يتجزأ؛ لذلك نراه يغطى وجوه أطفالنا، يكاد يصنع منهم مسوخا فى القيم والأفكار، وفى الشكل والمظهر، حيث أوجدوا لأنفسهم مفردات لغوية لا تمت بصلة إلى لغتنا العربية، يستخدمونها فيما بينهم بعيدا عن فهم الكبار، ومظهرا لتمردهم على أحوال المجتمع. والأسوأ من شيوع القبح وتفشيه، أن تفقد النفس القدرة على ملاحظته، وأن يتحول أطفالنا وشبابنا إلى أشخاص متبلدين، لا يرون ولا يحسون ولا يعترضون، بل يستسلمون مستريحين لكل مظاهر القبح من حولهم.

ويرتبط الحب دائما بالطهر، وهو معنى نبيل، لكنه عند كثيرين تحول إلى نزوة عابرة أو شهوة مجردة، وأصبح المتطهرون بالحب مذنبون فى نظر المجتمع أو أنهم أناس حالمون؛ عليهم العيش بعيدًا داخل أحلامهم. وعلى المحبين ألا يستسلموا؛ عليهم أن ينشروا الحب بين الناس، فالحب إذا لم يتم التعبير عنه بشكل جيد فإنه مع الوقت يضعف ويتلاشى، وربما يهرم أو يموت؛ لذلك علينا أن نستدعى هذا الحب ونحركه، علينا أن نُعمل كل الوسائل لإثارة معانيه، وأول هذه الوسائل أن نقول لمن نحب 'أحبك'.

إن مصر كانت وستظل بلد الطهر والجمال والحب، وستبقى دوما تحتضن المتطهرين والمحبين، وستطرد من أرضها كل مظاهر القبح، ولن يتأتى ذلك إلا بتغيير ثقافة المجتمع التى أصبحت فى معظم عناصرها مسخا وتقليدا للغرب. إن هذا الأمر ليس رفاهية وليس نظرة أفلاطونية، بل ضرورة حتمية، علينا جميعا أن نعمل عليها، ولنبدأ من الآن وبأنفسنا، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.