رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

رغم الدور الذى لعبه بعض أعضاء جماعة «الفن والحرية» فى تأسيس حركة الشيوعية المصرية، فإننا لا نستطيع أن نقول بسهولة إن أعضاء الجماعة كانوا يمثلون حركة ثورية بالمعنى السياسى، والأقرب إلى الدقة أن نقول إنها حركة تمرد واحتجاج كان هدفها تثوير الوعى والخيال تمهيدًا لتثوير الواقع.

وواقع الأمر أن جماعة الفن والحرية وصلت إلى نهاية الرحلة فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة مع مجيء حكم قمعى كان على رأسه «صدقى باشا» الذى صادر الحريات الصحفية والثقافية (قرار يوليو 1946) فأحيل إلى المحاكمة أكثر من مائتى كاتب وصحفى كان من بينهم رمسيس يونان.

وبقدر ما كانت الحركة الشيوعية تمضى فى طريق مسدود، كانت الحركة السريالية تواجه المجهول، وتعانى المزيد من العزلة والتهميش. وبرغم أن التيار المصرى السريالي–كما يذكر لويس عوض–قد تشتت كتيار سياسى وكجماعة متجانسة، فإن أكثرهم استمر كأفراد أو كجزر مضيئة مشعة فى محيط الفكر والفن، لكن استمرارهم –كأفراد– كان احتراقًا مستمرًا أيضًا. ويوضح المستشرق «جان برك» هذه الحقيقة بقوله: «سقطوا تحت عبء أسئلتهم غير المكتملة». لقد حاولوا جمع المتناقضات فى بوتقة واحد: تحقيق الفردية المطلقة عبر نداء جماعى، المصالحة بين العقلانية الغربية الباحثة عن روحنه لعقلانيتها والروحانية الشرقية الساعية إلى عقلنة روحانيتها.

كانت هذه الجماعة تسير على خط دقيق بين الذاتية والموضوعية، ولكن يبدو أن هذا الخط لم يسمح لهم إلا بغلبة الذاتية على الموضوعية، وانتصار العاطفة على العقل، والخيال المنفلت على المنطق والواقع!.

وتبقى كلمة أخيرة: تُرى هل أخفقت السريالية فى أن تحقق أهدافها؟ وهل فشلت فى مسعاها نحو تجسيد حلم التحرر؟

أظن أن هذه الحركة قد فشلت سياسيًا، لأنها لم تستطع أن تصل إلى أفئدة وعقول الجماهير، من حيث إنها كانت حركة نخبوية مجدت الخيال، واتكأت على الفن كسلاح وحيد لتثوير الوعى وتغيير الواقع، لكنها بقيت أسيرة لمفاهيمها الخاصة ولم تستطع أن تتجاوز حدود التمرد. أما على المستوى الفنى فإن الحركة السريالية لم تفشل واستطاعت برغم كل التحديات أن تشق لنفسها طريقًا ضيقًا لكنه عميق ومؤثر فى الدروب المتعرجة الوعرة للواقع الثقافى المصرى. وإذا كان البعض يروج لفكرة أن السريالية قد قضت نحبها وانتهت مع نهاية الحرب العالمية الثانية، فإننى أعتقد أن السريالية باقية ما بقى الفن والإنسان، ومهما كانت السريالية صوتًا خافتًا وواهنًا وسط ضجيج الصخب وصراخ الغوغاء، فإنها ستظل ذلك الصوت المنفرد الذى يشدو بنشيد الحلم والحرية، ويرفض بالرغم من كل المساومات والإغراءات الخضوع لعالم زائف ليس فيه سوى الشعارات الكاذبة والكلمات الساقطة والمبادئ المستباحة.

إن السريالية ستبقى كفاعلية إنسانية قادرة على التذكير الدائم بثالوث: الحلم والحب والحرية، وهى مازالت تستمد من هذا الثالوث مصدر قوتها وسر بقائها. وإذا كانت السريالية لم تلق من النقاد والمؤرخين فى مصر سوى الإنكار والجحود، فربما نعزو ذلك إلى هيمنة ثقافة التحريم وذهنية التكفير، خاصة أن السريالية قد تجاسرت ولأول مرة فى تاريخ الفن التشكيلى فى مصر على اختراق التابوات الثلاثة الجنس والدين والسلطة، ولذلك فإن السريالية تقف وجهًا لوجه أمام كافة قوى القهر والتسلط والتكفير وتعلن فى عناد إصرارها على الانتصار للحرية وللمرأة ولكافة المستضعفين، ولهذا فإننا على قناعة بأن السريالية المصرية كمشروع لم يكتمل بعد، وستظل برغم هشاشة قوتها دليلًا على أن الفن يستطيع أن يتجاوز محدوديته ليتحول من وسيلة إلى غاية هدفها إعادة تشكيل الحياة، وتجاوز المساحة التى تفصل بين المدنس والمقدس أملًا فى الصعود بالفن نفسه إلى مستوى المطلق أو المقدس.