رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

صفحات من تاريخ الوطن (٥)

من يومها أصبح الإرهاب مناخًا يسكن أرض مصر، وإن سَكَنَ سنين بقوة القمع، وأطل سنين بحجة التدين، وقبع سنين تحت الأرض، وعندما خرج للنور فى أوان ضعف القشرة الأرضية أطفأ بيده، لا بيد عمرو، النور، فقد اعتاد الظلمات.

من يوم ما اغتال الإرهاب الشيخ الذهبى، أول شيخ أزهرى فى عصرنا الحديث، وضحايا قلة العقل وقلة الدين وقلة الإيمان وقلة المروءة وقلة الوطنية وقلة العلم وقلة الشجاعة وقلة الشرف وقلة الثقافة والأدب يعيثون فى الأرض فساداً حاملين زيفاً لافتات الإسلام، حيث كانت لافتاتهم بالأمس «تنظيم الجهاد» و«الناجون من النار» و«الجماعة الإسلامية» و«التكفير والهجرة». . إلخ.. لتفرخ اليوم «بيت المقدس» و«النُصرة» و«القاعدة» و«حماس» و«القسَّام» و«داعش» والكل استنساخ من الإخوان أب الضر والضرار والفتنة والنار و..النار مصيرها إلى هشيم.

عندما أذن فجر الأحد 3 يوليو 1977 لم يذهب جميع الإخوان مدعى الإسلام لصلاة الجماعة، وإنما ذهبت جماعة تكفيرية منهم لتدق جرس الباب على العالِم الشيخ الدكتور محمد حسين الذهبى، وزير الأوقاف وشئون الأزهر الأسبق فى منزله القاطن فى الشارع الترابى المنعزل بحدائق حلوان.. كان شيخنا الجليل قد ذهب إلى الفراش بعد جلسة ودية اعتادها مع الجيران والأهل والأصدقاء فوق الكنبتين البلديتين حول صينية الشاى بالنعناع، وأمام إلحاح الجرس والطرق الشديد فتح الابن الدكتور مصطفى الباب ليفاجأ بخمسة رجال على سيماهم الغلظة أحدهم بملابس رسمية برتبة رائد يسألون عن الشيخ فدعاهم لدخول الصالون، وتركهم ليوقظ الوالد، فإذا بأحدهم يتبعه ليوشك على الدخول معه فذكّره بأن للبيوت حرمات، ويهب الشيخ مستنفراً فى فراشه: خير!!.. فينبئه الابن بأن هناك من ينتظره وربما يكون من مباحث أمن الدولة.. ويتجه الشيخ لزوار الفجر فتمسك ابنته الكبرى أسماء، بجلبابه تثنيه عبثاً عن الدخول فقد شاهدت الأسلحة تشرئب فى الأيدى هناك.. ويضغط الشيخ على أكرة الباب ليلقى السلام فلا يتلقى من الوجوه المكفهرة رد السلام اللـهم إلا قولهم: عاوزينك برّه فى كلمتين.. فيعجل بقوله: «أنا سبت الوزارة عاوزنى ليه دلوقت سيبونى للصبح».. وتتدخل أسماء تطالب بتحقيق الشخصية لكل منهم بعدما تسرب الشك إلى قلبها: «انتم مش شكل مباحث.. اتصل يا مصطفى بمجلس الوزراء وشفهم مباحث ولا لأ، ونادى على جارنا الضابط يشوف لنا حكايتهم».. ويشعر الإرهابيون بموقفهم الحرج فيهجمون على الشيخ يدفعونه أمامهم، ويهدد أحدهم أسماء بالرشاش لتسكت عن صراخها وتترك تشبثها بجلباب أبيها عندما يدخلونه عنوة حافيًا منكفئًا فى غياهب سيارة فيات 128 بمحرك دائر تنطلق بركابها، بينما يحاول أحد أفراد الجماعة إعادة تشغيل موتور سيارة أخرى ماركة مازدا تحمل رقم 28793 ملاكى القاهرة للحاق بالركب الطائر ولكن دون جدوى.

يتجمع الأهالى على صراخ الابنة ليبرحونه ضرباً بعدما يفرغون إطارات السيارة كلها من الهواء، ليغدو بعدها أحد المفاتيح المهمة للتوصل للجناة، حيث ثبت أنه إبراهيم محمد حجازى عضو الجماعة الإرهابية الذى لم تفلح التحقيقات الأولية معه فى دفعه للاعتراف بأية معلومات تدل على مقترفى حادث الاختطاف الذى لم يتم حتماً لغرض السرقة، فالدكتور الذهبى لا يملك ما يطمع فيه اللصوص، ومظهر الثراء الوحيد فى مسكنه المتواضع يتمثل فقط فى مئات الكتب والمراجع التى تسكن الأرفف الزاخرة بالمعارف.. كما أنه ليس للدكتور كما هو معروف أعداء شخصيون، وليس فى حياته ما يشير إلى اشتراكه فى تنظيمات أو أحزاب، كما لم يدخل عمره فى معارك تُجمِّع حوله الأعداء اللـهم إلا معركة فجرها فى وزارة الأوقاف ضد الفساد، وحتى ميقات واقعة اختطافه التى أدت إلى مقتله لم يكن يمتلك قبراً إلا أنه فى الشهر الأخير فكر فى شراء قطعة أرض فى مدافن الإمام الشافعى ليقيم عليها مدفناً للأسرة، وكان الوزير الوحيد الذى ألغى السيارة الاحتياطى المخصصة له من قبل الدولة، وكان يسير فى حياته وفق النصيحة النبوية «وليسعك بيتك» فكان كثير الاعتكاف فى المنزل إلى جوار أبنائه حاملى شهادة الدكتوراه الطبية والعلمية أسامة ومحمد ومصطفى وعزة وفاطمة وأسماء وسعاد.. شيخ عمله الأصلى استاذ للتفسير بكلية أصول الدين، وأهم كتبه الذى ينطوى على أبرز أفكاره اسمه «التفسير والمفسرون» يتناول فيه مصادر الخرافات والإسرائيليات التى دخلت فى بعض كتب التفسير حيث نجد عنده كمثال فى كتاب الثعلبى فى تفسير بعض آيات سورة الكهف رواية يذكر فيها أسماء الفتية أهل الكهف، بل اسم كلبهم وفيها حوار غريب بين الكلب والفتية ورسالته الكبرى التى وهب نفسها لها كانت إعادة الفكر الإسلامى إلى الطريق السليم بعيداً عن الخرافات بحيث يكون القرآن والسُنّة وحدهما مصدر الفكر الإسلامى، ومن أبرز مؤلفاته «تفسير ابن عربى للقرآن.. حقيقته وخطره» رافضاً التفسيرات اللغوية التى تحمِّل القرآن فوق ما يطيق، وكذلك الذين يربطون القرآن بالنظريات العلمية الحديثة، وقد كان الإمام الشيخ محمد أبوزهرة يسمى الذهبى «إمام المفسرين» بينما يطلق عليه شيخنا «جبل العلم».

وللحديث بقية..

عضو مجلس الشيوخ

عن تنسيقية شباب الأحزاب

والسياسيين عن حزب التجمع