مائة وثلاث سنوات مرت على هذا اليوم العظيم فى تاريخ مصر، عندما اندلعت شرارة ثورة وطنية، وقودها عموم الشعب المصرى من طلاب وموظفين وعمال وفلاحين وشيوخ وشباب ونساء، كان ذلك صباح يوم 9 مارس 1919، خرج المصريون للمطالبة بإلغاء الحماية البريطانية على بلادهم، والاحتجاج على نفى الزعيم سعد زغلول إلى جزيرة مالطا بعد رفض المندوب السامى طلبه بالسفر لعرض قضية مصر.
اتحد جميع المصريين وترابطوا دون تفرقة بين مسلم ومسيحى، رجالًا ونساءً، شيوخًا وشبابًا، ليقفوا على قلب رجل واحد، خلف الزعيم سعد زغلول، فى مطالبته برفع الحماية البريطانية واستقلال مصر، لم يخشوا من قوة الاحتلال ولم يهابوا من بطشه، لأنهم تمسكوا بإيمانهم بوطنهم وحقهم فى الحرية، وأدركوا قدرة وحدتهم على قمع أى قوة احتلال، وحماية أرض الوطن.
«الاستقلال التام أو الموت الزؤام»، هتاف اهتز به عرش الامبراطورية البريطانية، التى أذهلها صلابة المصريين ورباطة جأشهم وقوة إرادتهم، التى دفعتهم إلى التوحد والمواجهة دون خوف أو تردد، والإصرار على الاستكمال بعدما رأوا دماء شهدائهم تسيل على الأرض الطاهرة، لتزيدهم صلابة وإصرارًا على مواجهة هذا المستعمر، حتى أفرج عن سعد باشا زغلول ورفاقه وسمح لهم بالسفر إلى باريس لعرض مطالبهم.
من هنا بدأت ملحمة النضال الوطنى من أجل الحرية والحقوق والكرامة، ولم تتوقف حتى حصلت مصر على الاستقلال التام، وأسسوا أول دستور مصرى فى 1923، وحصل المواطن المصرى على حقوقه، وبدأ التغير الجذرى فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبدأت إرهاصات النهضة الفكرية والعلمية والأدبية، وأدرك المصريون قدرتهم الحقيقية على استرداد حقوقهم وقمع كل من يسلبهم إياها.
عرفت تلك الثورة العظيمة المصريين معنى المواطنة، وقيمة الحرية، والعدالة والديمقراطية، ورسخت معانى الوحدة الوطنية التى جمعتهم تحت شعار الهلال الذى يعانق الصليب، الذى لا يزال شعار حزب الوفد حتى الآن، وجعلت القس يخطب فى المسجد والشيخ يخطب فى الكنيسة، وأظهرت قوة المرأة المصرية وصلابتها، وموقفها البطولى من أجل الوطن، فانطلقت منها الحركة النسوية فى النضال ضد المحتل، والمطالبة بالحقوق والحرية والكرامة، ليلتحم جميع المواطنين فى ثورة أدهشت العالم كله، ولا تزال مصدر ذهول للمؤرخين الدوليين، الذين صنفوها على أنها من أعظم ثورات التاريخ.
خرج من رحم تلك الثورة العظيمة حزب الوفد الذى يعد من أقدم الأحزاب فى العالم، والذى غرس فيه زعيم الوفد مبادئ الديمقراطية والحرية والعدالة، وقيم الوطنية والإخاء، وما زال الحزب به رجال على العهد، يحمون تلك المبادئ ويسيرون على نهج زعمائه.