رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

استجلب مقالنا فى هذه المساحة تحت عنوان «التجربة الفرنسية»، الذى يلفت إلى مقترح الرئيس الفرنسى ماكرون، باستبدال عقوبة السجن (أقل من عام) بالغرامة تعليقات، أهمها أن هذا المقترح سينتهى بأن السجن للفقراء الذين يعجزون عن دفع الغرامات، وينعم بالمقترح الأثرياء القادرون على الدفع، وهذا مستوجب التنبه له ونحن نقترح الاستفادة المصرية من التجربة الفرنسية، ليس من العدالة فى شىء.

وتلقيت تعقيباً راقياً من الأستاذ «ثروت الخرباوىý» فى شكل حكاية من تراث المحاماة المصرية العريق، تلفت النظر إلى إسهامات المحامين فى تطبيقات العدالة خارج الحدود.

«عبدالكريم بك رؤوف» كان من أكبر المحامين المصريين فى المنازعات المدنية فى الفترة من عام (١٩١٠ إلى عام ١٩٥٨)، وقد تدرب فى مكتبه عمالقة القانون فى مصر حيث أصبح بعضهم من رموز المحاماة والبعض الآخر من رموز القضاة، كان مكتبه عبارة عن فيلا فى شارع «نوبار باشا»، وكان بجواره بنك إيطالى لا يغلق أبوابه إلا بعد انتهاء فترة عمل عبدالكريم رؤوف.

«ملحوظة أنا (ثروت الخرباوى) تدربت فى مكتب «محمد علوان» عليه رحمة الله الذى كان من أوفى تلاميذه»

‏ýكانت إجازة «عبدالكريم بك رؤوف» السنوية يقضيها فى باريس، وكانت تربطه صلة صداقة قوية بنقيب المحامين فى باريس، وفى صيف ١٩٤٧ سافر عبدالكريم بك إلى باريس ليقضى إجازته خاصة أن الحرب العالمية الثانية كانت وضعت أوزارها منذ أكثر من عامين ونصف.

وقبل أن يُنهى إجازته قرأ فى الصحف عن قضية جذبت انتباه الرأى العام الفرنسى، وهى عن رجل أعمال أمريكى ارتكب جريمة نصب ضد رجل إيطالى، إلا أن الجريمة وقعت فى فرنسا، وقد تكاملت أركان الجريمة وثبت الدليل عليها، حتى إن المتهم الأمريكى لم يجد أمامه إلا الاعتراف بالجريمة.

‏ýقام المتهم الأمريكى بتوكيل نقيب المحامين فى باريس ليترافع عنه، وعندما علم عبد الكريم بك بهذا قام بزيارة نقيب محامى باريس فى مكتبه وسأله عن دفاعه فى القضية فقال له النقيب: ستكون مرافعتى مفاجأة، ولذلك يسعدنى أن تحضرها..

‏ýوحضر عبدالكريم رؤوف جلسة المرافعة، ورغم أن المحكمة كانت قد أصدرت قرارها بقصر الحضور على المحامين وبعض الصحفيين وأفراد معدودين من أهالى المتهم والمجنى عليه، وكان مفاد ذلك أن عبد الكريم بك لم يكن فى إمكانه الحضور لأنه غير مقيد فى نقابة المحامين الفرنسية إلا أن حاجب المحكمة عندما اطلع على كارنيه عبد الكريم بك وعرف أنه من المحامين المصريين أفسح له الطريق ورحب به قائلاً: يكفينا فخراً أن محامياً من بلد «إبراهيم الهلباوى» يحضر فى قاعة محكمة فرنسية.

‏ýيروى عبدالكريم رؤوف القصة فى مقال له بمجلة «القانون والاقتصاد» التى تصدر عن كلية الحقوق جامعة القاهرة، عام ١٩٤٨، فيقول إن المحامى الفرنسى بدأ مرافعته بإقراره أن المتهم ارتكب الجريمة وإنه لا يدافع عن هذا الفعل ولا يبحث له عن تبرير، كما أن المتهم نفسه اعترف بالجريمة، ولكن ما الذى سيحدث بعد ذلك؟ الخلاف الجنائى بين المتهم الأمريكى والمجنى عليه الإيطالى هو عن (مائة ألف فرنك فرنسى)، والمحكمة ستحكم على المتهم الأمريكى بالسجن خمس سنوات وهى عقوبة مشددة لأن الجريمة وقعت فى زمن الحرب، وبالتالى سيقضى المتهم الأمريكى عقوبته فى السجون الفرنسية، وستنفق فرنسا من أموالها وأموال دافعى الضرائب ما يزيد على (مائة ألف فرنك فرنسى) هى نفقات إقامة الأمريكى فى سجونها، سيأكل ويشرب على حسابنا، سيتم علاجه على حسابنا، لو كانت الجريمة وقعت على فرنسى لكان هذا من حقنا، فنحن بذلك نأخذ حقنا من المتهم الأمريكى.

ولكن من هو الذى سيستفيد من هذا الحكم، سيستفيد مواطن إيطالى، حيث سيأخذ هذا الحكم ويذهب به إلى أمريكا ليبحث عن أموال أو عقارات لخصمه فيحجز عليها ويستأدى حقه.

‏ýأمريكى يرتكب نصباً، وإيطالى يحصل على حقه، والحساب ستدفعه فرنسا، سيدفعه كل دافع ضرائب..

‏أليس من الأجدى أن نبحث عن مصلحة فرنسا، لن يضار أحد لو حكمت المحكمة بالغرامة على المتهم، فيدخل إلى خزينة الدولة مال، هذا المال يمثل حقنا لأنه تم الاعتداء على قانوننا من مواطن أمريكى، وبحكم الغرامة هذا سيذهب الإيطالى إلى أمريكا ويأخذ حقه المالى هناك.

‏وفى نهاية الجلسة أصدرت المحكمة حكمها بتغريم المتهم عشرين ألف فرنك!