رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

تطرقنا فى مقالنا السابق إلى ميلاد الحركة السريالية، وأهم أعلامها ومقوماتها، وفى هذا المقال نستكمل معكم لماذا لجأ السرياليون إلى الصور الغريبة والغامضة والمبهمة.

يبدو لى أن متطلبات الروح الإبداعية كما كان يراها السرياليون إنما تكمن فى إدماج هذه الصور الغريبة والشاذة والشنيعة والمجهولة داخل العمل الفنى، وتكمن بالمثل فى الخروج على المواضعات المألوفة للكشف عن الرموز العتيقة. وفى هذا المعنى كتب الشاعر إيلوار يقول: «الهذيان، الإخلاص، الغضب، الذاكرة، الجنون، الحكايات القديمة، المائدة والمحبرة، هذه المناظر غير المعروفة، الليل المنقضى والذكريات العنيدة... اشتعالات الأفكار والعواطف والموضوعات، العرى الأعمى... الإخلال بقواعد المنطق حتى غاية المحال، استخدام المحال حتى غاية التعقل الذى لا يقهر، أنه ذلك وليس تجمع المقاطع والكلمات والسواكن والحركات.. ذلك هو الذى يسهم فى تناسق نغم القصيدة... إننى لا أخترع الكلمات، بل أخترع الأشياء والكائنات والأحداث وأخلق لنفسى العواطف. أن القصيدة تكشف عالمًا جديدًا وتصبح إنسانا جديدًا».

والسريالية بهذا المعنى تدعونا إلى تجاوز الأحاسيس المسماة بالسوية والمعارف الوصفية المعتادة. ولن يتحقق ذلك إلا بالغوص فى عالم اللاواقع، وهذا العالم الجديد لا يتحقق فقط بالهروب من عالم الواقع، ولكن من خلال القدرة على اكتشاف منظور جديد للواقع الكونى والإنسانى يكون أوفر عمقًا وأكثر ثراء، والسريالية إذ تقاطع جميع الأفكار المتوارثة والمألوفة إنما تبشر بعالم يتعذر إدراكه، كما يتعذر تحديده فى الزمان والمكان، وهى بذلك تحرق جميع سفنها وترغم نفسها على الغوص أكثر وأكثر فى قلب عاصفة لا مثيل لها ولا غاية تجنى من ورائها سوى الدخول فى الحقول المحرمة، وما النزعة إلى التعتيم والإبهام سوى مغامرة الهدف منها استرداد ذواتنا الضائعة استردادًا كاملًا.

والواقع أن جنوح أصحاب السريالية نحو الغموض واللافهم والسخف كان أمرًا مقصودًا هدفه التمرد على المألوف والمعتاد وإثارة الدهشة والتساؤل لدى الجمهور. غير أنهم اتجهوا فى الكثير من الأحيان نحو تكوين نظرة جديدة للحياة، تكون الحرية بأوسع معانيها هى حافزها الأول ومحركها الأساسى، ولهذا قالوا: «ليست السريالية مدرسة من مدارس الأدب أو أسلوبًا من أساليب النقد، إنها حالة ذهنية، فالخيال وحده فى عصرنا هذا يستطيع أن يستعيد للبشرية المهددة فكرة الحرية».

خلاصة القول فإن السريالية قد قدمت نفسها للجمهور بوصفها هذا الخلق التلقائى الذى يتعدى الواقع المكشوف والمألوف إلى الواقع الخفى أو المستور. هذا الواقع المحتجب هو الواقع الذى يكمن وراء الواقع، وهو عالم اللاواعى أو اللاشعور. هذا الواقع هو الحقيقة العامة الشاملة التى ينطوى تحتها كل شعر، وكل مجاز، وكل رغبة، وكل حلم، وكل إبداع، وكل خيال. هذا الواقع هو الحقيقة التى استقى منها فنانو السريالية– ومن قبلهم شعراء الرومانسية– مصدر إلهامهم ووحى إبداعهم.

وللحديث بقية..