رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

تعد السريالية حركة أوروبية المولد، وقد بدأت فى ميدان الشعر من خلال عدد من الشعراء مثل: أندريه بريتون، وبول إيلوار، ولوترايا مون، ورامبو، وجارى، وانضوى تحت لوائهم –فيما بعد– الرسامون والنحاتون والمسرحيون والسينمائيون، لقد كانوا جميعًا –وخاصة بعد الحرب العالمية الأولى– يحلمون بحالة مثلى للإنسان أو كما قال لويس آراجون، أحد هؤلاء الشعراء: «إنها مسألة التوصل إلى إعلان جديد عن حقوق الإنسان».

وقبل أن يعرف العالم كلمة «السريالية» عرف مصطلح الدادا أو «الدادية»، وهو المصطلح الذى ولدت السريالية فى أحضانه، ولم يكن هدف الدادية كما أشرنا فى مقالاتنا السابقة سوى عرض السخف فى عالم ضاعت فيه المعانى وغابت عنه القيم. ولقد كانت الدادية حركة عدمية أرادت السخرية من كل شيء: الفن خاصة الكلاسيكى والحياة والسياسة والقيم.. لقد أعلنت رفضها وتمردها على كل شيء وأى شيء.

غير أن حركة بمثل هذا التمرد العدمى الذى لا يستهدف أى شيء سوى السخرية والسخف، كان لا يمكن لها أن تبلغ إلا غاية واحدة هى السخف أيضًا. إذ حاولت الدادية اقتلاع كل ما اعتاده الناس بوصفه جميلًا (مثل تشويههم صورة الموناليزا) وسخرت من كل شيء: القوانين، المبادئ، الأخلاقيات، المعنى.. وهكذا أفرغت الهزيمة نفسها وأفرغ اليأس نفسه، وإذا بالعدمية تحل محلها كل من الاستالينية والفاشية، ولم تترك للناس أى أمل. وفى هذه الأثناء كان أندريه بريتون يفكر فى إيجاد بذرة جديدة للجمال، بعد أن أحالت الدادية أرض الجمال القديمة إلى خرائب وأطلال، وهكذا ولدت السريالية. ففى عام 1924 استعار بريتون ورفاقه كلمة كان قد نحتها الشاعر «أبو لينير» قبل ذلك ببضع سنوات واستعملها عنوانًا لآخر مسرحياته «سرياليزم» وهى كلمة فرنسية معناها ما فوق الواقع أو الحقيقة المجاوزة للواقع.

والسريالية كما عرفها أندريه بريتون فى بيانه الشهير عام 1924: « سريالية اسم مؤقت، آلية نفسية ذاتية خالصة يستهدف بواسطتها التعبير، إن قولًا، وإن كتابة، وإن بأية طريقة أخرى، عن السير الحقيقى للفكر. هى إملاء من الذهن فى غياب كل رقابة من العقل، وخارج اهتمام جمالى وأخلاقي».

فلسفيًا: تتأسس السريالية على الإيمان بواقع فائق أو مجاوز للواقع القائم، هذا الواقع الفائق أو الخارق يستمد عناصر وجوده من كافة الأحلام المجهضة، والذكريات المنسية، والرغبات المكبوتة وكافة المشاعر والأخيلة والمخاوف والصور الغريبة والشاذة، والتى تبدو –ظاهريًا– بمثابة الضد أو النقيض للواقع القائم والمألوف. والسريالية وفق هذا المعنى ما هى إلا مغامرة سيكولوجية يراد من خلالها الغوص فى أعماق النفس الإنسانية بحثًا عن ذلك العالم السحرى الغامض المجهول، الذى يمثل بالنسبة للفنان السريالى حقيقة هذا الوجود، والنبع الخصب، الذى منه يستمد الفنان كافة أشكال الخلق والإبداع. ويؤكد بريتون هذا المعنى بقوله: «ولنذكر أن فكرة السريالية ترمى بكل بساطة إلى الاسترجاع الكلى لقوتنا النفسانية بوسيلة ليست سوى الهبوط السريع جدًا إلى ذواتنا والإنارة المنظمة للأماكن الخفية والتعتيم التدريجى للأماكن الأخرى، والتنزه الأبدى فى قلب المنطقة المحرمة».

والسريالية –على هذا النحو– هى أول مذهب فى الفن يتخذ غايته ابتداءً من الكشف عن الأغوار السحيقة فى النفس البشرية، ويجعل مهمته الرئيسية التعبير عن هذا العالم الخفى العجيب والغريب، لذلك كانت الأحلام بنوعيها أحلام النوم وأحلام اليقظة، هى أهم مقومات الحركة السريالية، السريالية ترى فى الحلم منبعًا خصبًا من منابع الشعر والفن عامة، فالحلم هو الذى يتيح للفكر أن يحطم أشكاله التقليدية ويمنح الإنسان حريته أمام عالم الأشياء لتحقيق ما تجيش به النفس من أشواق ورغبات وتطلعات.

ولهذا تحطم السريالية –بشكل مقصود– كافة القوالب الجمالية التقليدية وتخرج عن متوارثات الحضارة الغربية بكل تقاليدها المعروفة كى تصلنا بالقيم الجمالية البدائية، حيث نرى مجسدات بشعة ومسوخًا رهيبة تتسم مع ذلك بتأثير بالغ ونافذ يلمس فينا مناطق مجهولة ومبهمة وغامضة، ويثير فينا مشاعر عامرة بذكريات ومخاوف طفولية بعيدة ومهملة.

وللحديث بقية..