رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تمامًا كما فعل نابليون، يقتدى ماكرون، ففى العام ١٨٠٠ ميلادية رأى «نابليون بونابرت» أن القانون المدنى الفرنسى لا يليق بتلك الإمبراطورية العريقة!!

وكانت له فى ذلك نظرة ثاقبة، لذلك أصدر قراراً لمجموعة من كبار فقهاء القانون المدنى بوضع منظومة قانونية متكاملة تعيد للعلاقات الإنسانية فى تعاملاتها المدنية قيمتها الحضارية، وقد كان، وضع الفرنسيون قانونهم المدنى وأصبح يشار إليه بقانون نابليون، وعنه أو عن معظمه أخذنا القانون المدنى المصرى ما عدا ما يتعلق بقوانين «الشفعة» لأنها كانت إسلامية المنشأ والهوى والتاريخ.

ويمر الزمان ويتغير الرؤساء وتبقى الأفكار المبدعة منسوبة لأصحابها، فتحت مسمى «مبدأ ماكرون» أعلن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، مبدأ قانونياً جديداً له رؤية اجتماعية واقتصادية حكيمة، وهى تعميم تطبيق الغرامات بدلًا من السجن، على الذين صدرت ضدهم أحكام بالسجن أقل من سنة.

وإذا كنا لا نعلم الآليات التى ستتخذها فرنسا لتطبيق هذا التعميم، وهل سيترتب عليه تعديلات فى القوانين العقابية بحيث يصدر الحكم ابتداء من القاضى بالغرامة أم أن وزارة الداخلية عندهم هى التى ستستبدل عقوبة السجن بالغرامة، وما هو مقدار الغرامة؟ هل سيتم فرض غرامة موحدة، أم ستتفاوت قيمتها وفقا لكل جريمة، ولكن أيًا كان الأمر فإن مثل هذا المبدأ يستحق التوقف والتبين.

توقفا أمام الفكرة، تعميم فرض الغرامات الثابتة «على جميع الجرائم التى تنص على عقوبة بالسجن تقل عن عام واحد»، وتبيناً لنوعية الجرائم التى يستهدفها ماكرون.

مبدأ الغرامات يشمل كوكتيل جرائم خفيفة، الغرامات تكفيها بدلاً من السجون، ما يحقق الردع، ويرفع عن كاهل السجون مزيداً من المتهمين، ويحول مثل هذه الجرائم إلى مصدر دخل سيادى بديلاً عن كلفة إعاشة المسجونين ومضاعفة أعدادهم ما يشكل عبئاً على السجون فى زمن كورونا.

من المهم دراسة التجربة العقابية الفرنسية، إذ هى تفرق بين الجرائم الكبيرة التى تهدد المجتمع الفرنسى وتستحق ردعاً وزجراً، الجنايات التى يعاقب عليها بالسجن، والجرائم الخفيفة، الجنح، التى يعاقب عليها بالغرامات، وليتوفر قانونيون عليها لربما كانت فيها إفادة مصرية نقلاً عن التجربة الفرنسية.

ما يستأهل غرامات فى حزمة الجنح المصرية كثيرة، وقضايا الجنح تزحم المحاكم، وتكدس السجون، والأحكام (السجن لشهور أقل من سنة مؤكد كبير.. ونسجل ليس لدينا إحصاءات نرتكن إليها فى هذا الطرح )..

ولكن إذا كان عدد القضايا التى تصدر فيها أحكام بالسجن المخفف (أقل من سنة) للردع يستأهل تطبيق هذا المبدأ الفرنسى، ثم لماذا نتفرنس والتمصر يقدم لنا تجربته؟

فقد كانت (المادة ٣٣٧) من قانون العقوبات تعاقب بالحبس على فعل إصدار شيك بدون رصيد، وعلى طول التجربة ثبت أن هذا الحبس لم يترتب عليه إنهاء هذه الجريمة، ولكن ظلت «جنحة الشيك» الذى لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب، هى أكثر الجرائم تداولاً أمام المحاكم، إلى أن صدر قانون التجارة الجديد عام ١٩٩٩، وفيه قرر القانون عقوبة الحبس أو الغرامة على فعل الشيك غير قابل للصرف.

صحيح ظلت المحاكم فترات تقضى بالحبس، إلا أن ثقافة الغرامة بدلاً من الحبس أخذت طريقها فى عقول القضاة وأصبحنا الآن نرى أحكاماً بالغرامات تصل إلى خمسين ألف جنيه غرامة على المتهم فى تلك النوعية.

فلم لا نتوقف أمام تجربة ماكرون وتجربة قانون التجارة المصرى، عسى أن يلهمنا هذا أو ذاك إطاراً عقابياً مناسباً لهذه الحالات التى تتكاثر فى ظل ثقافة الزحام التى بتنا عليها.

ولتوكيد المعنى لِمَ لا نطبق الغرامة بدلاً من السجن فى أول مخالفة (جنحة) ونفى المخالف مغبة السجن وتهديد مستقبله واسرته، ونخفف عن كاهل السجون، وفى حالة العود تطبق قاعدة مضاعفة العقوبة سجناً.

معلوم قانون العقوبات المصرى يقسم الجرائم ثلاثة أنواع: الجنايات، الجنح، المخالفات، الجنايات يعاقب عليها بـ«الإعدام، السجن المؤبد، السجن المشدد، السجن»، أما الجنح يعاقب عليها بـ«الحبس.. الغرامة التى يزيد أقصى مقدارها على مائة جنيه».. وهى مقصدنا فى هذه السطور وفق المبدأ الفرنسى.. والمخالفات هى الجرائم المعاقب عليها بالغرامة التى لا يزيد أقصى مقدارها على مائة جنيه ومعمول بها تخفيفاً.