رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

رغم الموقف العدمى الذى اتخذته الدادية من الفن، فإن تاريخها لم يقتصر على الهدم أو الفضائح، فقد كتب «هوجوبل» يقول: «إن الهدف الذى ترمى إليه هذه المجـمـوعـة هـو تذكير الناس بأن وراء الحـرب، ووراء الأوطان، يوجـد رجـال مستقلون، لهم مُثل عليا مختلفة عن مُثل غيرهم». وكتب «هانز أرب» أيضًا يقول: «نحن نفتش عن فن قائم على أسس ثابتة من أجل معالجة جنون العصر، وقائم أيضًا على نظام جديد للأشياء باستطاعته إعادة التوازن بين الجنة والجحيم». كما كتب أيضًا يقـول: «إن الهـدم كـان ضـروريًا حـتى يستطيع هؤلاء الماديون البؤساء أن يتعرفوا فى الأطلال الباقية على ما هو جوهري».

وهكذا فإن الدادية لم تكن سلبًا أو هدمًا فقط، فـقـد كـان ثمة فنانون آخرون من الحركة لهم دور إيجابى فى تاريخ الفن، ولاسيما «ماكس أرنست» ممثل الحـركـة فى مدينة «كولونيا»، «وكورت شویتزر» الذى كان يعمل فى «هانوفر» وظل حتى نهاية حياته وفيًا للأسلوب الدادى، وقد استطاع أن يحقق من خلال تقنية الإلصاق تصميمات رائعة قام بتشكيلها من خلال قصاصات الجرائد، والإعلانات، والنشرات، وبطاقات دخول الحفلات.. وغيرها من الأشياء المهملة التى اعتاد الناس أن يتخلصوا منها. والحق أن تقنية الإلصاق تذكرنا بما صنعه التكعيبيون من أوراق ملصقة، بيد أنه كان من خصائص الإلصاق عند شويتزر أنه جمع بين أشياء أكثر تنافـرًا وتبـاعـدًا، وأكثر ابتذالًا من تلك التى اسـتـخـدمـهـا التكعيبيون، وأقل منها قابلية لأن تجمع معًا.

ولكن براعة شـويتزر تكمن فى أنه استطاع أن يمزج ويوحد بينها، وأن يخلق فيها تألفًا وانسـجـامـًا لا تنقـصـه رهـافـة الحس أو رقة الوجـدان، بل ويمتـاز أحيانًا بلمسات من الذوق الرفيع. لقد استطاعت الدادية من خلال المسار الذى حددته بنفسها أن تجمع متطرفى الطليعة فى مجالات الأدب والفن والموسيقى، هذه السياسة تقترب بها أكثر من التيارات الفنية المعاصرة والتقنيات الجديدة والتجريد الذى صار منذ عام 1913 أكثر شمولًا وانتشارًا.

وقد جمعت الدادية كوكبة من الفنانين أمثال: بيكابيا وأرب وأرنست، وشويتزر.. وغيرهم ممن كانت ممارساتهم تعتمد على مبادئ: اللعب والتلقائية والفوضوية والصور الخيالية المنفلتة التى لا تخضع لأى كوابح أو ضوابط. انتقاء فنان الدادية للصور التى لا توجد بينها أية قرابة شكلية، يؤكد بالتالى أن الدادية تتنكر للماضى تعيش لحظة الحاضر بطريقة فوضوية تمامًا وبلا منهج أو تقليد، هذا الأمر الأخير يباعد إلى حد كبير بين الدادية والسريالية التى وضعت لنفسها مجالات محددة وتقنيات تلائم أهدافها، لكن الدادية من جانب آخر- وهذا أحد جوانبها الإيجابية - سعت لأن يختلط الفن بالحياة، وأكدت على أن الفنان ينبغى ألا يحيا معزولًا عن الآخرين.

فالدادية على حد تعبير «بيهار»: «تخلق فى الوقت الذى تهدم فيه، وبتحطيمه البنى القديمة كان تزارا يعرف أنه يبنى نظامًا جديدًا». إن وجه الحداثة فى الدادية يكمن فى أنها قد اتخذت الخطوة الأولى نحو هدم القديم، ثم تولى فيما بعد أفرادها تشكيل اتجاهات فنية جديدة بديلة مثل: «السريالية» و«الكولاج»، فضلًا عن استلهامها المستمر فى اتجاهات فنية لاحقة مثل «البوب آرت» و«الفن الحركي»، و«فن تجميع الأشياء الجاهزة»، ثم إحيائها بأسرها فى شكل جديد سيسمى فيما بعد «الفن الفقير».

وأخيرًا يجب ألا ننسى أبدأ أن الدادية لم تكن مدرسة بالمعنى التقليدى، وينبغى تقديمها فى هذا الإطار، فهى حالة فكرية، أو إن شئنا الدقة حالة من حالات التجريب الفنى، وقد كان تزارا واعيًا بهذا، وكان حريصًا على أن تبقى الدادية حركة شاردة وغير قابلة للتحقق، وكان يقينه أنها سوف تموت متى عدت نفسها حركة جادة أو ثابتة. وقد استمر هذا المهرج العنيد يواصل دعواه، ولا يعرف التعب لمدة ست سنوات، إلى أن أدركه الإعياء، واستنفذ طاقته، وصار عاجزًا عن ابتكار المزيد من الخدع. وهنا كان لابد وأن تنتهى الدادية من أجل أن تولد حركات أخرى جديدة تستمد مبررات وجدوها من موت القديم. وكان طبيعيًا أيضًا أن تموت الدادية بعد أن قالت كلمتها الأخيرة، وأعلنت يأسها من كل شىء حتى الفن. فكان لابد وأن تغادر المسرح سريعًا حتى يأتى آخرون يحملون بشارة الأمل، ويعيدون للنفوس التى أضناها الإحساس بالخواء شيئًا من الأمل.. شيئًا من المعنى.