رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

كلما هل هلال شهور الشتاء وأشعر ببرودة الجو ودخول أيام المطر، أكاد أتقوقع على ذاتى مثل القنفذ، مفضلا الجلوس فى المنزل وعدم مغادرته إلا لأعمال ضرورية! ودائما ما أتذكر أيام الصبا وبرد القرية القارص الذي لم تكن منه حماية إلا بذلك البلوفر البسيط الذي لم يكن يحمينا من شىء ونحن نسير وسط الطين وتغمرنا المياه الساقطة من السماء والبرك والمستنقعات التى نتجت عن مياه المطر فى الطرقات، ونحن لا نملك كأطفال الا أن نتساند على بعضنا البعض خشية التزحلق واتساخ مريلة المدرسة.

وأتذكر لما كبرنا قليلا وكان علينا أن نقطع ونحن فى الثانية عشرة من العمر ثمانية كيلومترات سيرا على الأقدام،  فى هذه الطرق الطينية الموحشة وتغمرنا مياه المطر، حتى نصل إلى  المدرسة الاعدادية فى المدينة ، ولا تزال أنغام أغنية «أمجاد يا عرب أمجاد» التى كانت حينئذ هى أغنية افتتاح إذاعة صوت العرب فى الخامسة صباحا ترن فى أذنى، حيث كان والدى رحمة الله عليه يوقظنى عندها قائلا: قم يا ولدى .. ربنا يسهلك طريقك، ومع ذلك مازلت أشعر بالامتنان لناظر مدرستى الاعداية الذي جعل منى موضوعا لخطبة الصباح بعد موقف لا ينسى، حيث كنت سأتلقى منه «علقة ساخنة» لـتأخرى خمس دقائق عن بداية طابور الصباح في صباح يوم ممطر من تلك الأيام، حيث لم أتمالك نفسى فإذا بى أتجرأ وأحضنه باكيا خشية أن تنزل علي عصاه الطويلة وأنا أصيح فيه: «حرام عليك يا أستاذ.. أنا لم أتأخر».

لقد كنت على الرصيف المقابل أغسل رجلي من الطين لألبس الشراب والجزمة.. «فإذا به – بعد أن عرف أننى جئت حافيا  فى ذلك البرد والطين  كل هذه المسافة - بدلا من أن يضيق بى ويضربنى يحتضننى ويمسك بالميكروفون ليسب وينتقد تلاميذ المدينة الذين جاءوا متأخرين بملابس غير نظيفة وبوجوه نائمة غير نشيطة ويقول لهم: هذا ابن القرية جاء نظيفا مهندما وأنا أعرف أن مكواة ملابسه هى مخدته.. أما أنتم أيها الكسالى فعندكم كل أسباب الراحة ومع ذلك تتأخرون وتأتون بملابس غير نظيفة وبمناظر لا تليق بأولاد المدينة.. تبًّا لكم!!

وبالطبع فربما هذه الظروف التى عايشتها صغيرا هى ما شكلت انطباعى السلبى عن فصل الشتاء حتى الآن، وليعذرنى من يحبون فصل الشتاء، فهو بالنسبة لى فصل يقل فيه الانتاج وتقل فيه ساعات النهار، بحيث لا يستطيع محبو العمل الصباحى أن  ينجزوا الكثير، بينما فصل الصيف تمتد فيه ساعات النهار لتتيح لهم العمل ساعات طوالا! فضلا عن أنه مهما كانت أيام الصيف شديدة الحرارة  فبإمكان الانسان أن يستظل ولو بظل شجرة وارفة الظلال، أما فى أيام البرد الشديد فلا نجاة منها – وخاصة أننا بلاد لم تستعد لذلك فى بنيتها التحتية ولا فى ثقافتها المعمارية – حتى ولو ارتدى المرء كل ما لديه من ملابس ثقيلة!!

إننا نعانى فى مصر الآن كما يعانى كل العالم من تغيرات مناخية حادة، حيث لم يعد توصيف الطقس لدينا «دافئ ممطر شتاء

.. معتدل الحرارة صيفا»  كما كنا ندرسه فى مدارسنا قديما، وعلى علماء المناخ والجغرافيا الآن أن يعيدوا توصيف الجو فى مصر، وعلى خبراء الاسكان والمعمار فى مصر أن يعيدوا النظر فى تصميماتهم المعمارية وخاماتهم المستخدمة والتجهيزات والتشطيبات الداخلية للشقق والبنايات حتى تتلاءم مع الأوضاع المناخية الجديدة.

ولعل أبناء الريف الذين ربما لايزالون يعانون من مثل هذه الظروف التى عانيت منها صغيرا  يأملون خيرا في المشروع الذى ترعاه الدولة حاليا «حياة كريمة»، حتى يتم رصف شوارع القرى وانارتها، وكذلك الأمل فى أن يكون فى كل قرية بل فى كل نجع صغير على الأقل مدرسة ابتدائية ومدرسة اعدادية يتلقون فيها دروسهم ولا يضطرون إلى تلك المعاناة التى كنا نعانيها ونحن صغار فى مطلع النصف الثانى من القرن الماضى!! لقد تطورت مصر كثيرا ولأطفال مصر الآن أن يفرحوا ببلدهم وبأنوار التحضر والمدنية التى يعيشون فيها وتكاد تطال كل ربوع مصر. ولعلنا نشهد فى نهاية هذا العقد من الزمان خلو مصرنا الحبيبة من كل مظاهر التخلف والعشوائية  والفقر وامتداد التحضر والطرق الحديثة وكل الخدمات الصحية والتعليمية لكل بقعة مهما كانت نائية، لقد عانى المصريون كثيرا من الغبن والظلم والفقر والمرض وآن لهم فى ظل ما يسمى بالجمهورية الجديدة أن ينعموا جميعا بجودة الحياة.