رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 

 

كلمة «دادا» Dada كلمة عبثية لا تشير إلى شىء محدد، وهى لا تحظى بأهمية تاريخية أو فكرية تذكر مثل المصطلحات الأخرى الأكثر انتشاراً، فهى كلمة لقيطة اختارها أصحاب هذه الحركة بطريقة عشوائية تماماً عندما فتح أحدهم القاموس فوقعت عينه على هذه الكلمة فقرروا أن تكون اسماً لحركتهم. وهذه الكلمة تعنى فى الروسية والرومانية: «نعم– نعم»، و«حصان خشبى» فى الفرنسية وفى الألمانية يراد بها «كلمة ساذجة». 

ولا يعرف أحد على وجه الدقة من صاحب الفضل فى اختراع الدادية وأين ومتى بدأت، فقد انتشرت بصورة وبائية فى عدد من مدن أوروبا الكبرى: زيوريخ، نيويورك، برلين، برشلونة، هانوفر باريس، روما، كولونيا، بوادبست ويبدو أن الداديين الأوائل قد تعمدوا طمس معالم وأصول حركتهم تلبية للرغبة المتأججة فى نفوسهم للتحرر من كل ما ينتمى إلى الخبرة الإنسانية، والتاريخ، والتطور الزمنى، والتسلسل المنطقى، لذلك فقد ارتضوا أن تكون إبداعاتهم وآثارهم مثل القصور التى تشـيـد فـوق الرمال، ومثل الكلمات التى تنسج فوق صفحات المياه، لقد آثروا اللحظة العابرة على الزمن المقيم!

وبشكل عام ينبغى النظر إلى الدادية على أنها حركة تمرد عصرية ضد قيم وتقاليد الحضارة البورجوازية التى سادت أوروبا فى بدايات القرن العشرين. ولكن التمرد الذى تبنته الدادية لم يكن تمرداً من أجل قيمة، أو من أجل الدفاع عن قضية، بل اتخذ صورة عدمية قوامها أن التـمـرد غاية وليس وسيلة لغاية أخرى، وأنه أقرب إلى الفعل النزوائى منه إلى الاحـتـجـاج السياسى الهادف، وهذا ما يمنح الدادية طابعاً فوضوياً وبوهيمياً. عموماً ينبغى فهم الحركة الدادية فى ضوء الظرف التاريخى الذى ولدت فى ظله، فالدادية هى نتاج شرعى للخراب الذى دمر العالم نتيجة اندلاع الحرب العالمية الأولى، ولذلك فهى تمثل ثورة ضد كل ما هو قائم من تقاليد وقيم الحضارة الرأسمالية الزائفة، وضد العلم والتقنية اللذين تم تسخيرهما فى خـدمـة التـخـريب والدمار، وهى أخـيـراً ثورة على الفن الذى يقف صامتاً حيال هذه المؤامرة التى تحاك ضد الإنسانية.

إن الدادية حركة قامت من أجل الهدم والتمرد، لذلك فقد كفرت بالعقل واستخفت بالمنطق، وسخرت من هؤلاء البشر الذين تحولوا إلى آلات، وتنكرت لفن التصوير الذى صار فى خدمة مؤسسات القمع والسيطرة. ومن ثم فقد رفضت التمييز بين الفن وما عداه من أنشطة نقيضة فها هو «دو شامب» الفنان الذى ظل طيلة حياته مخلصاً للدادية برفض فصل الفن عن الحياة مؤكداً أن الفن ليس سوى «وسيلة تعبير إلى جانب وسائل أخرى عديدة، وليس غاية مهيأة لأن تملأ حياة بكاملها».

إن الدادية لا تشكل اتجاهاً فنياً محدداً أو أسلوباً فنياً جديداً، فغايتها لم تكن تتجاوز التعبير عن سلوك هذه المجموعة من المتمردين، وعن موقفها الرافض للواقع السياسى والاجتماعى وللقيم التقليدية الموروثة فى كل الاتجاهات سـواء ثقافية أم أخلاقية، لذلك فإن بدايات الدادية، كما يقول تزارا: «لم تكن الفن، بل القرف»، القرف من نتائج الحرب العالمية الأولى التى كرست الخـوف ودعمت إحساس الإنسان بالضياع واللامعنى. وهكذا فإن الدادية صنعت أسطورتها بنفسها، وحددت أهدافها منذ البداية، واعتبرت نفسها حركة هدم وتدمير على الصعيدين الفنى والاجتماعى – الأخلاقى، معبرة من خلال هذا الموقف النافى عن رغبتها فى قلب النظام البورجوازى الحديث.

وهكذا فإن الدادية– بصورة أو بأخرى– تعبير صادق عن روح الشك الذى ساد فى النصف الأول من القرن العشرين، وهو ليس شكاً فى قدرة الإنسان على الفعل والإبداع فقط، بل شك فى قدرة أى شىء مـوضـوعى، خارجى، شكلى، عقلى، منظم، إنه شك يشمل الإنسان والعالم. ومن ثم كانت هناك روح عدمية تسيطر على فكر وممارسات أصحاب الحركة الدادية، وهذا ما عبر عنه بريتون بقوله: «إنه من غير المعقول حقاً أن يترك الإنسان أثراً وراءه».

إن الدادية كنزعة تمرد واحتجاج لم ترفض القيم الفنية فحسب، بل تجاسرت على وضع الموقف الإنسانى بأسره موضع شك، لذلك فقد بدا كل شىء عابراً، تافهاً، مجانياً، بلا معنى، بلا قيمة، بلا جدوى. وقد عبر تزارا زعيم الحركة عن هذه الرؤية العدمية فى البيان الذى أصدره باسم الدادية، فقال: «كل فعل إنسانى عقيم، إذا قيس بمعيار الأزلية».

وللحديث بقية.