رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

ناقشنا فى مقالنا السابق علاقة الفلسفة بالعلم، وفى هذا المقال نتحدث عن علاقة الفلسفة بالدين، ومما لا شك فيه أن علاقة الفلسفة بالدين قد اتخذت دومًا طابع الصراع والتناحر، وفى عصرنا الراهن ومع تزايد الموجات المتتابعة لأسلمة الحياة العامة والخاصة منذ السبعينيات وحتى الآن اتسعت مساحة الرفض والتكفير لكافة دروب الإبداع الإنسانى وعلى رأسها الفلسفة، التى اعتبرها بعض المتشددين والتكفيريين مرادفة للتكفير أو الزندقة.

والدعوة إلى محاربة الفلسفة لیست جديدة فلو عدنا إلى التاريخ الإسلامى سنجد أن المعتزلة كفرقة إسلامية تستند إلى العقل قد تعرضت فى عهد الخليفة المتوكل لكل ألوان القهر والتنكيل، ففى عام 1150 أمر الخليفة المستنجد بإحراق جميع كتب ابن سينا وإخوان الصفا الفلسفية. وفى عام ١١٩٤ أصدر الأمير أبو يوسف يعقوب المنصور أمراَ بإحراق جميع كتب ابن رشد إلا القليل منها، وحرّم على رعاياه دراسة الفلسفة وأمرهم بأن يلقوا فى النار جميع كتبها أينما وجدت. وإذا تركنا العصر الإسلامى الوسيط وذهبنا إلى العصر المسيحى الوسيط لن نجد الأمر بأسعد حال، فمحاكم التفتيش كانت سيفا مسلطا على رقاب المفكرين والمبدعين فى هذا العصر ولم يكن ربط الفلسفة بالدين إلا جواز المرور الذى به يستطيع الفيلسوف أن يمنح فكره شرعية البقاء والاستمرار.

ولو بحثنا عن الدافع الحقيقى لارتياب هؤلاء ورفضهم للفلسفة سنجد أن الهجوم على الفلسفة مرده كراهية كل ما هو عقلى والرغبة فى الارتماء فى أحضان الاتجاهات الغيبية القائمة على التسليم بالقضايا دون مناقشة. بعبارة أخرى إن هؤلاء يحاربون الفلسفة لأن دراستها تؤدى إلى إيقاظ الوعى البشرى وتجعله يفكر ويضع كل شىء موضع شك وتساؤل مما يهدد جمودهم العقائدي. من ناحية أخرى تعلمنا الفلسفة درسًا اسمه الحرية، حرية أن نفكر دون أسوار داخلية، دون حواجز أو قضبان حديدية، حرية أن نحترم الرأى الآخر حتى وإن كان مخالفا ومتعارضا مع رأيي، فقد نتفق وقد نختلف لكن لا يصح فى النهاية إلا الصحيح.

إن الهجوم على الفلسفة يعنى الهجوم على العقل، وإذا كان العقل هو ما يميز الانسان عن سائر الكائنات فإن الهجوم على العقل يعنى فى الآن نفسه الهجوم على الإنسان من حيث إن العقل هو أسمى قيمة يمكن أن يقصد إليها الإنسان.

إن الفلسفة برغم كل شىء لن تموت لأنها أحد إبداعات الإنسان -كالشعر والموسيقى والغناء والنحت والدراما.. وغيرها- وما دام هناك كائن يسمى الإنسان ستظل هناك فلسفة وفكر. ولعلنا فى مجتمعنا المصرى رغم جميع صور التخلف التى نعانيها نحن بأمس الحاجة إلى الفلسفة، لأن الفلسفة ليست ترفًا عقليًا كما تصورها البعض قديمًا لدى فلاسفة اليونان، بل الفلسفة تعبير عن مطلب إنسانى يهدف إلى تصحيح مسار الوعى ولا يستطيع عاقل أن ينكر أن الوعى لدينا مشوه وغائب فما زلنا نؤمن ببعض المسلمات التى نتعامل معها وكأنها نصوص دينية مثل التعصب الأعمى، ومثل تأليه الرموز السياسية والدينية، وتحقير المرأة فى مقابل تعظيم الرجل، ومثل اعتبار الأخلاق مرادفة للتحريم الجنسي، وتقديس الماضى باعتباره رمزًا ومستودعًا لكافة الأشياء الجميلة فالماضى يعنى لدينا: الجذور، يعنى العالم الكامل المتكامل، الفردوس المفقود، اليوتوبيا أو المدينة الفاضلة.. وكلها فى نظرى أوهام فصامية نضفيها على لحظة تاريخية زائلة تجعلنا نتوهم أننا الحضارة الروحية الوحيدة وأن العالم الغربى هو الحضارة المادية المتدنية.

إن هذه النرجسية -إن جاز القول- هى أحد الأمراض الحضارية المزمنة التى نعانى منها منذ زمن بعيد، والفلسفة فى رأينا هى أحد تلك الروافد الفكرية التى يمكن لها أن تنتهك حرمات ذلك التابو الوهمى الذى نختبئ خلف جدرانه العنكبوتية. إن الفلسفة يمكن لها أن تضىء مصباح «ديوجين» من جدید كی نری وجه الحقيقة الرائع حتى وإن كان مؤلما.

إن الفلسفة تعلمنا احترام الإنسان، احترام حريته، كرامته، عقله، غرائزه، عواطفه، ضعفه، قوته.. ولا فرق فى ذلك بين رجل وامرأة، أو بين دين وآخر أو جنس وغيره.