رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

فى عام 1750 م نال الفيلسوف الفرنسى الشهير جان جاك روسو جائزة الأخلاق من أكاديمية العلوم والآداب بدايجون عن بحث كتبه بعنوان «هل ساهم انشاء العلوم والفنون فى تهذيب الأخلاق؟»، ذلك البحث الذى قال فيه: إنه بقدر ما كانت علومنا وفنوننا تتقدم نحو الكمال بقدر ما كانت أخلاقنا تفسد ونفوسنا تتعفن... إن قليلا جدا من الشعوب هى التى تمكنت من اكتشاف ونقض هذا التوازى بين الثقافة والانحطاط الأخلاقى. إن البذخ هذا الشر الكبير نادرا ما يسير بدون العلوم والفنون وهذه لا تسير مطلقا بدونه. إن من الواجب أن نضع فى سلبياتها  أيضا الضعف فى الشجاعة وانخفاض المؤهلات الحربية والأخلاقية. وذلك نتيجة التربية الحمقاء التى تعطى للشباب. إننا نعلم هؤلاء كل شيء باستثناء واجباتهم. انهم لا يسمعون مطلقا كلمة «وطن» العذبة ولا يسمعون اسم «الله» إلا من أجل الخوف منه». وقد تساءل روسو بعد ذلك: أتكون الاستقامة ابنة الجهل؟ ويكون العلم والفضيلة متناقضين؟!

والحقيقة أن هذه العبارات التى قيلت فى ذلك الزمن البعيد وفى الوقت الذي كان فيه التقدم العلمى فى أوروبا فى بواكيره الأولى هى أصدق ما يمكن أن يقال اليوم فى توصيف حالة الانحطاط الأخلاقى التى نعانى منها اليوم، ولو تخيلنا أن هذا الرجل عاد إلى الحياة ليرى ما نحن عليه اليوم لن يقول أكثر مما قال!! ولنظر حوله فاغرا فاه من الدهشة والألم على ما أدى إليه التقدم التكنولوجى فى عصرنا الحالى من فقدان الانسان لأبسط القيم والمبادئ الانسانية من شراكة وحب وتعاون، ناهيك عن الشجاعة والتضحية من أجل الآخرين واستبدال كل ذلك بالأنانية المفرطة والانغلاق على الذات، حيث إن كلا منا قد اكتفى بذاته وتليفونه المحمول ناسيا أسرته ومن حوله، وهو لا شك سيأسى لحال شباب اليوم بل ولحال رجاله ونسائه الذين – فى غالبيتهم – لا يعرفون قيمة للوطن ولا يقدرون قيمة احترام هويتهم الذاتية والقومية مفضلين عليها ما يسمى «الهوية الكونية أو المواطنة الرقمية العالمية» ولايدرون أن كل ذلك تزييف للوعي بقيمة الوطن والمواطنة القومية وبضرورة الاعتزاز بالهوية الثقافية التى لا يمكن للمرء أن ينخلع عنها لأنها تسرى فيه مسرى الدم!!

لقد استبدل الناس فى عصرنا هذا قيمهم الأصيلة بقيم تقوم على التقليد الأعمى لقيم الغرب المفرطة فى المادية واللذية والبحث عن اشباع رغبات الجسد، دون أدنى اهتمام بتلك الروح الشفافة التى يمتلكونها بين ضلوعهم !!

إن تكنولوجيات العصر لم تتوقف عند حد تدمير بيئة الحياة الصالحة للانسان فقط، بل تكاد تقضى على البيئة الصالحة لحياة الكائنات الحية عموما!! إن مشكلات التغير المناخى التى أصبحت واقعا يعيشه كل البشر فى قارات العالم المختلفة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك مدى الضرر الذي أحدثته هذه التكنولوجيات المستخدمة فى كل جوانب الحياة على وجه الأرض، ومدى الضرر الذى لحق وسيلحق بالانسان فى المستقبل القريب؛ فالمسألة لم ولن تقتصر على التصحر والاحتباس الحرارى وغرق بعض الموانى والمدن، ولا على الأمراض التى استجدت وأثرت على صحة الانسان ولا على التغيرات الأخلاقية والاجتماعية التى جعلت من الفساد الأخلاقي والعلاقات الاجتماعية غير الطبيعية وغير السوية هى المثل الأعلى لحياة البشر!! بل ستجعله حتما يبحث عن كوكب آخر قد يصلح لحياته مستقبلا خاصة بعد أن يتحول إلى انسان شبه آلى، ذلك الانسان الذي سيتحول عن طريق آليات الذكاء الاصطناعى إلى انسان هجين.

إن على الانسان المعاصر أن يكف عن المزيد من استخدام وتطوير هذه التكنولوجيات المدمرة لحياة الانسان الطبيعية وتسوقه دون وعي إلى فقدان الهوية وفقدان معنى السعادة الحقيقية!! وكم هو جميل أن يعود الانسان إلى حياة البساطة البكر التى يبنى فيها علاقاته الاجتماعية على التواصل المباشر ويحيا فيها على كل ما هو طبيعى وانسانى حقا. ولعلى أردد مع روسو: سحقا لهذه الحياة المدنية التكنولوجية التى أفقدتنا الحب الحقيقي والرومانسية الحقيقية وجعلتنا أشبه بالآلات الميكانيكية الصماء بلا قيم، بلا احساس، وبلا انسانية!!

 

[email protected]