رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

فى مقالنا السابق: التفاهة أفيون الشعوب الجديد أشرنا إلى أن التفاهة اجتاحت العالم بطريقة غير مسبوقة نتيجة انفراد الرأسمالية بإدارة أوضاع البشر، ومن ثم فقد أصبح الناس فى كافة أنحاء الأرض يتعاطون التفاهة بوصفها وسيلة سهلة ورخيصة للحصول على المكاسب المادية والمناصب القيادية والسياسية. وحتى لا تضيع منا معالم الطريق فقد انتهينا فى تحليلنا للوضع التفاهى بأن التفاهة على المستوى التنظيرى هى تغييب للعقل، وعلى المستوى الواقعى السياسى– الاقتصادى هى تسليع لكل شيء حتى الإنسان نفسه. ولكن يبقى السؤال

< هل="" تتساوى="" الطبقات="" والشعوب="" والأنظمة="" فى="">

< هل="" الوضع="" التفاهى="" للأغنياء="" مثل="" الوضع="" التفاهى="">

< هل="" الوضع="" التفاهى="" للثقافات="" العلمانية="" يتساوى="" مع="" الثقافات="">

< هل="" أنظمة="" التفاهة="" لدى="" السادة="" هى="" نفس="" أنظمة="" التفاهة="" لدى="" العبيد،="" أو="" بعبارة="" أخرى="" هل="" استطاعت="" التفاهة="" أن="" تساوى="" بين="">

الحقيقة أن التفاهة تظل تفاهة، ولا يمكن أن يكون لها دور أكثر إيجابية أو أكثر ثورية، ولا يمكن لها أن ترتقى بالإنسان أو تحرره، وهى فى رأيى شكل من أشكال الفكر الأيديولوجى الناعم الذى يختلف عن الأيديولوجيات القمعية القديمة. إنها وهم جميل يسعى إليه ضحاياه ويسقطون فى شباكه مثلما يسقط الذباب فى بيوت العناكب. ولعل من أهم ملامح وخصائص بنية التفاهة أنها بنية مرنة ومتحولة، ولذلك يسهل جدًا لهذا النسق الجديد أن يستوعب أى ثقافة، خاصة لو كانت ثقافة معادية للعقل. وهذا الأمر الأخير جعل التفاهة تغزو ثقافتنا المصرية دون أى جهد أو مقاومة. وقبل أن نستكمل هذه النقطة لابد أن نشير إلى أن التفاهة بوصفها تحورًا وتحولًا للرأسمالية هى نظام هيراركى (هرمي)، فالآخر يصنع لنا التفاهة التى يريدها ونحن نتلقاها ونتقبلها دون إرادتنا تمامًا مثلما يستقبل العبيد هدايا ساداتهم. إذن لنتفق أن التفاهة صناعة يصنعها الآخر المتقدم ويستهلكها التابع المتخلف. وبهذا المعنى لا تخرج التفاهة عن سياق جدلية العبد والسيد. وحتى على المستوى الداخلى خاصة فى الدول التى تنتشر فيها جيوش الفقراء سنجد تفاهة مصنوعة خصيصًا للأغنياء وتفاهة أخرى للفقراء. فأغانى المهرجانات يتلقفها المهمشون والفقراء، وأغانى الراب– وهى لا تقل تفاهة عن المهرجانات– يتلقفها الأغنياء والسادة. نعود إلى نقطة خصوصية الوضع التفاهى المصرى، ونتساءل مرة أخرى: ما طبيعة الوضع التفاهى فى مصر، هل لدينا تفاهة بنكهة مصرية؟

الواقع أن الثقافة المصرية منذ عصر السادات كانت تربة خصبة لاستقبال كل ما هو وافد وغريب نتيجة تجريف وهشاشة الهوية المصرية الأصلية والأصيلة (حضارة المصريين القدماء)، ولذلك انتعشت الرأسمالية الطفيلية يرافقها الإسلام الوهابى فظهرت تقليعة الأسلمة: أسلمة العلوم، أسلمة الاقتصاد، أسلمة الفنون، أسلمة الممارسة السياسية، أسلمة مفردات الحياة اليومية. ولم يتغير الوضع إطلاقًا فى فترة حكم مبارك إذ استمر الحال على ما هو عليه. ثم جاءت أحداث ثورات الربيع العربى التى تحولت إلى ثورات مضادة أو مغدورة أو كلاهما معًا. وكانت النتيجة أن وَصل الإخوان والسلفيون إلى سدة السلطة، وقد نجح النظام السياسى الحالى فى خلع الإخوان من السلطة.

إن ما أريد أن أصل إليه أن الإسلام السياسى فى كافة صوره الجهادية والدعوية أحال الدين إلى شكل، إلى ديكور، إلى مظهر، ومن ثم أُفرغ الدين من مضمونه الروحى. فانشغل الناس بالتوافه من الأمور: هل نُصافح القبطى ونُعيد عليه أم نتجاهله؟ من الأكثر عفة: الحجاب أم النقاب؟ ما حُكم الطلاق الشفاهي؟... إلخ ووصل الأمر إلى حد أن أحد الدُعاة الجُدد أسس شركة لإنتاج الدجاج ثم خرج على الجمهور بإعلان يتحدث فيه عن «الفرخة المؤمنة المباركة»! وهكذا غرق الناس فى تفاهة ترتدى مسوح القداسة، لذلك فإن التفاهة فى ثقافتنا المصرية تفاهة مضاعفة أو لدينا فائض ثقافى من التفاهة كان من السهل أن يتجاوب مع التفاهة العولمية ويعززها ليتحول الإنسان فى بلادنا إلى كائن استهلاكى (سواء أكان فقيرًا أم غنيًا)، كائن ضحل، كائن بلا عقل، وبلا وعى، وربما بلا إنسانية!!