عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عطر الأحباب

 

 

 

منذ ميلادها حتى وصولها إلى مصر، تبدو المعلومات المتاحة عنها ضئيلة للغاية، فلا تفاصيل مشبعة عن ظروف الحياة الأسرية ومستوى التعليم ودوافع الهجرة، لكن المشترك بين كل من كتبوا عنها أنها كانت تتقن القراءة والكتابة باللغتين العربية والفرنسية، وكان الأدب هو الموضوع الأثير لها.

بدأت آسيا داغر «1904-1986» حياتها الفنية ممثلة في فيلم «ليلى»، وكان دورها صغيرًا محدودًا، ثم ارتقت إلى أدوار البطولة المطلقة، مستعينة في الصعود السريع بكونها منتجة أفلامها. خلال سبعة عشر عاما، بين 1929و1946، قامت آسيا ببطولة خمسة عشر فيلما قبل أن تعتزل التمثيل متفرغة للعمل الذي أحبته وأخلصت له: الإنتاج.

قد يكون صحيحا أنها لم تقدم أدوارًا فذة خارقة كممثلة، لكنها لا تختلف عن مثيلاتها من كواكب الثلاثينيات والأربعينيات، ولعلها تتفوق عليهن في اختيار الوقت المناسب لاعتزال التمثيل قبل أن يعتزلها الجمهور.

عبر رحلتها الإنتاجية الطويلة، التي امتدت أربعين عاما، منذ نهاية العشرينيات إلى مطلع السبعينيات في القرن العشرين، قدمت المنتجة العملاقة تسعة وأربعين فيلما، تعاونت فيها مع مخرجين وكتاب ينتمون إلى مدارس فنية واتجاهات فكرية متباينة. تنوع الموضوعات وتعدد المخرجين يمثل الملمح الأول في شخصية آسيا الإنتاجية، وقد بدأت معتمدة على مخرج بعينه، تمثل معه ثنائيا متفاهما، أحمد جلال، ثم انتقلت إلى هنري بركات، وصولا إلى الانفتاح على الجميع بلا تمييز. حسن الإمام يتوسط أحمد كامل مرسي وكمال الشيخ ويوسف شاهين، والذروة في التعامل مع شباب المخرجين الذين ولدوا بعد سنوات من رحلتها مع السينما، مثل ممدوح شكري.

يتمثل الملمح الثاني في نوعية وموضوعات الأفلام، فقد قدمت الأفلام العصرية الشائعة، لكنها تميزت بالمغامرة المبكرة عندما قدمت أعمالا تقترب من دائرة الخيال العلمي :»عيون ساحرة»، وكانت شجاعة جسورة عندما قدمت تجربة كمال الشيخ الرائدة غير المسبوقة :»حياة أو موت»، وهو فيلم متمرد يخالف الأعراف التقليدية السائدة، أما انفرادها بإنتاج الأفلام الضخمة باهظة التكاليف فنجد نماذج لها في فيلمي «رد قلبي» و»الناصر صلاح الدين».

الابتعاد عن الإثارة الجنسية الرخيصة ومغازلة الغرائز هو الملمح الثالث في فلسفة آسيا الإنتاجية. لأنها لا تستهدف الربح وحده، آثرت دائما أن تلتزم بالمعايير الأخلاقية والمستوى الرفيع المحترم، دون أن تسقط في هاوية الإسفاف والابتذال.

يمكن القول إن آسيا داغر، لبنانية الأصل مصرية الهوى والجنسية والإقامة، كانت على موعد لكتابة صفحات مضيئة ساطعة في كتاب السينما المصرية، والعربية بالتبعية، فعندما جاءت إلى وطنها مصر، من وطنها لبنان، قبل عدة سنوات من ميلاد الإنتاج السينمائي الوطني الخالص، تحولت سريعا إلى واحدة من صانعات النهضة الفنية، ممثلة ومنتجة، قبل أن تتفرغ للإنتاج وحده وتقدم أفلاما ترسي من خلالها مبادىء بالغة الأهمية في عالم الإنتاج السينمائي، الذي هو مزيج مركب من الإبداع والاستثمار.

إليها يرجع الفضل الأكبر في اكتشاف عشرات المواهب، تمثيلا وإخراجا وتأليفا، ذلك أنها راهنت دائما على أن القصة المتماسكة متقنة البناء هي أساس الفيلم الجيد، وأن الدماء الجديدة الشابة المتحمسة هي القادرة على دفع عجلة الفن الجميل إلى الأمام.

على الصعيد الشخصي، كانت حياتها العائلية هادئة بلا عواصف أو ضجيج، أما أسلوب تعاملها المتحضر مع العاملين معها فمما يُضرب به المثل في الاحترام والرقي والتهذيب. كانت تجد في الإنتاج مهنة وهواية ورسالة، ولذلك حققت معادلة النجاح العسيرة، التي يمكن صياغتها في إيجاز عبر كلمتين دالتين: المسئولية والمتعة.

الاحتياج عظيم إلى منتجين مثلها، يعوون وطنية وإنسانية العمل في الساحة السينمائية، وما أقلهم الآن.