رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

عبدالرحمن عرنوس أيقونة بورسعيد التى امترجت بحب الوطن الكبير وعشقت ثراه، فنان بكل جوارحه يملأ النفس شجناً ويرصع كلماته المنطلقة كطلقات الرصاص بالأماني وعذب المعاني لا يقف بحواره عند حد معين، بل يخترق كل الآفاق كصاروخ بعيد المدي يتأجج بحب الوطن والناس ، لا يكف عن العمل فيغرس بذوره في كل حقل تطأه قدمه، ولا ينتهي عن التحليق في كل سماء حل تحتها، لا شىء يغنيه عن احتضان المواهب الواعدة فيلهمها من عطاياه ونفحاته دون كلل أو ملل، لا يعتريه تعب كأنما من تحته الريح كما يقول المتنبي.

متعدد المواهب ما بين التأليف والإخراج بل والتمثيل، وظل الضمير الحارس لمعتقده يؤدي مهامه في الحياة بمنطق القابض على الجمر الذي يئد شهواته لأجل ان يحيا حلمه.

أهدته الأقدار في بداية حياته العملية مهنة «الأنبياء»، حيث عمل مدرساً  في مدرسة الفاتح الابتدائية بحي المناخ ببورسعيد، وهي إحدي النوافذ التربوية الهامة التي شكلت عقول سكان الحي الشعبي الذي يضج حياة بأبنائه الشرفاء، فهل كان من الممكن أن يمضي القدر بالمدرس المسكون بالفن, الذى وصفه أحد مريديه بأنه «جميل الطلعة، ذو الشعر الكستنائي، وعينين بلون الزرع أو لون مياه البحر المتوسط، ذو ابتسامة واسعة، وحديث مرح، وأناقة ملبس، حازم الرأي وقت العمل ، باسم الثغر وقت الفراغ، تنطلق من فمه الكلمات مدوية فتقتحم الأذن الصغيرة لتوقظها وتبث فيها الوعي في هذه السن الباكرة ليستمر في درب التعليم بوظيفة « معلم حكومى» رغما عن روحه المعذبة بالفن وسحره؟

حسم الفتي الشارد بفنه قراره بسرعة ولكي لا يقامر بـ«تراب الميري» قرر ان يصنع المعجزة و المتمثلة في نقل المسرح الذي يحبه للمدرسة عبر تكوين فرقة من طلاب الفصل فلندع أحد المتيمين به يروي عن تفاصيل تلك المرحلة: لم يكن عرنوس معلماً كلاسيكياً علي شاكلة زملائه بل كان متمرداً، لا يكف عن شرح الدرس للتلاميذ بطرق مبتكرة ولجأ للاستعانة بموهبته المسرحية في الشرح، فاكتسب شعبية كبيرة بين الطلاب، وفي يوم من الايام ولدت الفكرة المجنونة متمثلة في تكوين فرقة مسرحية.

اختارعرنوس فريق العمل من تلاميذ المدرسة ممن يجيدون وعلمهم بالتدريج فن الإلقاء، مكوناً أول فريق للتمثيل سابقاً وزارة التربية والتعليم بما عرف بعد ذلك بـ «مسرحة المناهج».

لاحقا أسس «عرنوس» فريق الصاروخ للتمثيل والإلقاء, وعاش تلاميذه يقلدونه في سيره ووقوفه ، في نطقه وصمته، في ضحكه وعبوسه، مجموعة من الدراويش والمريدين يحملون عنه أوراقه حتي باب منزله، يطمئنون علي وصوله ثم يقفل كل واحد منهم عائداً إلي بيته.

قدم العديد من الكتب, كتب في الفنون المسرحية في مجال تدريب وإعداد الممثل وتأهيله لتتخرج علي يديه مواهب في انحاء محافظات الصعيد والدلتا، بل وتجاوز تاثيره الذي يشبه البراكين الوطن ليصبح قبلة كل هواة المسرح في العالم العربي.

أسدل الموت ستاره ليحجب عنا عبدالرحمن عرنوس، ولكنه لم يرحل سدي، فقد ترك من بعده أجيالاً امتدت جذورها في كل الأرض العربية من تلاميذ لم يحصهم عدداً، ولم ولن تذهب سيرته بينهم بدداً.

[email protected]