رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

على مدار يومى 18، 19 من نوفمبر الحالى شهدت الإمارات حدثًا ثقافيًا وفلسفيًا فريدًا وكبيرًا، إذ تم الاحتفال بافتتاح أول بيت للفلسفة بمدينة الفجيرة، كما تم تنظيم مؤتمر دولى كبير بعنوان: «من السؤال إلى المشكلة». وقد كان لى شرف المشاركة فيه مع نخبة من الفلاسفة من سوريا ومصر والأردن وفلسطين واليمن وفرنسا، وتميزت المداخلات بالقوة والعمق والجرأة. فضلًا عن الحضور الإعلامى المكثف والاهتمام الرسمى والسياسى بالاحتفالية ويكفى حضور ولى عهد الإمارة محمد بن شرقى وحرصه على عقد جلسة حوارية مسائية مع المشاركين.

والحق أن الفضل فى تأسيس هذا الكيان الفلسفى الكبير يعود إلى الفيلسوف والبروفيسور أحمد برقاوى الذى استطاع – بمفرده – أن يحفر للفلسفة نهرًا وسط صحراء الفكر العربى وبهذا الإنجاز العظيم تستعيد الفلسفة عافيتها بعد أن أنهكها الجهل المقدس وأحالها إلى مجرد خادمة للدين. إنها تتحرر الآن من عبوديتها وتبعيتها وغربتها، ويصبح لها مأوى يحميها ويأويها. وقد عبر البرقاوى فى كلمة الافتتاحية عن هذا التحدى وهذا الأمل وهذا الطموح بقوله:

«إننا إذ نحتفل بيوم الفلسفة فإن هذا الاحتفال ليس سوى احتفال العقل بذاته، إن العقل يحتفل بذاته فى كل العالم فى هذه اللحظة، ونحن إذ نحتفل بالفلسفة أيضًا نحتفل بالعقل الوقاد الذى يقرع ناقوس الخطر دائمًا من أجل الإنسان ومصير الإنسان. بل إن الخوف على الطبيعة الذى اجتمعت من أجله أمم الأرض كانت الفلسفة قد أشارت إليه عندما قالت للعلم لا تعبث بأمنا، أمنا الطبيعة. نحتفل بالفلسفة، أى نستعيد عقل العرب الوقاد والنقاد، نستعيد الفارابى والكندى وابن سينا وابن رشد وكل الراحلين».

إن كلمات د. برقاوى تلخص رسالة الفلسفة بوصفها محاولة لا تهدأ من أجل إدخال العقل إلى العالم وأنسنة هذا الوجود، لأن العقل هو الإنسان، والعقل هو أيضًا الحرية بكافة تجلياتها وبكل صورها وربما كان صحيحًا أن نقول بأن الإنسان صار إنسانًا بفضل وعيه بأنه حر، وأن الحرية تشكل جوهر وجوده وحياته وكينونته، فهو الكائن الأكثر احتياجًا للتحرر ولقهر جبرية الظواهر، وتحطيم القيود والأغلال التى تنتصب فى طريق حريته.

ومن المفارقات المؤلمة التى عشناها فى شهر نوفمبر الحالى أن يجيء الاحتفال باليوم العالمى للفلسفة متزامنًا مع محاكمة المستشار أحمد عبده ماهر بتهمة ازدراء الأديان والحكم عليه بالسجن خمس سنوات رغم أن الرجل لم يرتكب جريمة يُعاقب عليها القانون سوى أنه تجرأ على التفكير بحرية، وقام بنقد المرويات التى لا تتسق مع العقل والواقع والمنطق! هل من المعقول أن يُسجن الإنسان فى بلادى إذا تجاسر على التفكير بحرية وعبر عن نفسه دون خوف وبتلقائية واستقلالية عن سلطة العوام والدهماء والسوقة. هل أصبح التفكير مجرد التفكير جريمة فى بلادنا؟

إننا لا يجب أن ننسى أبدًا أن الفلسفة هى الحرية، ومن لا يؤمن بحق الإنسان، أى إنسان فى الحرية لا يمكن أن ينتمى لعائلة الفلسفة، الفلسفة تحرضنا على الحرية، تدعونا إلى التحرر، تخلق بأعماقنا نوعًا من الوعى المستنفر دومًا تجاه القيود، ونحو كل ما يحد من حرية الإنسان أو ينال من كرامته وشرفه.

الحرية هى شرط التفكير الفلسفى المستقل، وشرط لأى تفكير إبداعى أو خلاق، كما أن حرية الفكر هى مقدمة ضرورية ولا غنى عنها للتحرر بمعناه السياسى والاجتماعى، ولذلك تموت الفلسفة عندما تغيب الحرية فى المجتمعات التى يسودها القمع والإرهاب الفكرى.

شيء محزن أن تولد الفلسفة فى مدينة صغيرة من مدن الإمارات العربية الشقيقة وتموت هنا فى مصر على ايدى بعض المتفلسفة – من أساتذة الجامعات – الذين تحولوا من التفلسف إلى التسلف (من السلفية) وصاروا عبيدًا للأصولية، ودعاة للداعشية يدافعون بكل إيماناتهم الزائفة عن قمع وتصفيد الحريات!!     من المؤسف أن يحتفل فلاسفة العالم بيوم الفلسفة، يوم العقل، يوم الحرية فى الوقت الذى نحتفل نحن فيه باغتيال مفكر!!