رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

من نافلة القول  التذكير بأن الحضارة العربية الاسلامية فى عصرها الذهبى قد تبوأت مكانتها السامية فى قيادة العالم حينما نقلت علوم وفلسفات اليونان إلى اللغة  العربية واستفادت من منطق التفكير  الفلسفى العقلى ومناهج  البحث العلمى فى إحداث نقلة نوعية فى التقدم الحضارى للبشر حيث اتخذوا من الاقناع العقلى وآليات التفكير المنطقى والعلمى فضلا عن القيم الأخلاقية والحياتية   التى اكتسبوها من الدين الاسلامى أدواتا للريادة الحضارية وأسسا لهداية البشر أجمعين. وكم كانت مكانة الفلاسفة والعلماء المبدعين و حتى المترجمين عالية وسامية ومقدرة عند الخلفاء المسلمين للدرجة التى كانوا يعطون فيها للمترجم وزن الكتب التى ينقلها إلى اللغة العربية  ذهبا  !

لقد تذكرت كل ذلك وأكثر حينما حللت ومعى ثلة من الفلاسفة العرب الأسبوع الماضى ضيوفا على إمارة الفجيرة فى دولة الامارات العربية للمشاركة فى مؤتمر دولى بمناسبة افتتاح "بيت الفلسفة" والاحتفاء باليوم العالمى للفلسفة تحت عنوان " من السؤال إلى المشكلة "  فكان استقبالنا حافلا وكرمهم معنا زائدا حيث شاركنا الاحتفال والمؤتمر سمو الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولى  عهد الفجيرة بنفسه . وبقدر ماكانت جلسات المؤتمر ثرية وحافلة بالمناقشات الجادة والاقتراحات البناءة التى خرجت عبر التوصيات النهائية ، بقدر ما أسعدنى شخصيا أن ألتقى بتلاميذى وتلميذاتى الذين درست لهم منذ ثلاثين عاما حينما كنت معارا للتدريس بجامعة الامارات بين عامى 1988 و1994 وقد وجدتهم فى قمة التألق وهم يناقشون القضايا المطروحة بكل جدية وبلغة علمية وفلسفية رصينه ، وقد دعونى معهم على هامش المؤتمر لأحضر فاعليات صالونا ثقافيا أقمنه هن لمناقشة المؤلفات العلمية وكم كانوا جادين ومبهرين فمثلهن – فى كثير ان لم يكن كل الدول العربية – لايشغلهن إلا متابعة آخر أخبار الموضه والمسلسلات التليفزيونية ومايعرض على مواقع التواصل الاجتماعى من تفاهات وصور وفيديوهات ..الخ..

أما المفاجأة الحقيقية فى هذا المحفل فكان اللقاء الذى دعانا إليه سمو الشيخ محمد ولى العهد فى قصره حيث دارت مناقشات فلسفية رصينه بيننا وبينه حول دور الفلسفة فى المجتمع ومايترتب على غيابها من غياب للوعى وغياب للتفكير الايجابي فى المستقبل وقد تطرق النقاش إلى دور المرأة الفيلسوفة ومشاركتها الرجل فى تحليل قضايا  الفلسفة وتحدياتها فى الوطن العربي  والعالم وكم كان مفاجئا ولافتا أن يشارك معنا فى هذا اللقاء اثنتين من الفيلسوفات السعوديات ممثلين للفلسفة فى السعودية إلى جانب رئيس الجمعية الفلسفية السعودية ونائبه. وكم كان جميلا ورائعا أن نجد سمو الشيخ محمد  مؤمنا بدور الحكماء فى المشاركة فى  استشراف وبناء المستقبل عبر التخطيط الواعى لإسعاد المواطنين فى حاضرهم وكذلك  الحفاظ على ومراعاة  حقوق الأجيال القادمة. وقد تطرق النقاش إلى ضرورة عقد المؤتمر الدولى القادم أيضا ببيت الفلسفة بالفجيرة ودعوة كل الجمعيات الفلسفية العربية والهيئات المعنية بالفلسفة لانشاء اتحاد عربي يجمعهم لتوحيد وتنسيق الجهود لدراسة كل مايواجه الأمة من تحديات ومشكلات . 

وقد ناقش المؤتمر قضايا فى غاية الأهمية حيث  بدأ بمحاضرة مضيفنا د. احمد برقاوى عميد بيت الفلسفة عن معنى  المشكلة الفلسفية وبدأت الجلسات  التالية بحديث د. خلدون النبوانى عن الفلسفة ومشكلة الآخر وتحدث د. انور مغيث عن الفلسفة ومشكلة الوعى وطرح د. موسى برهومه قضية الفلسفة والتعليم كما طرح د. عبد الله المطيرى مشكلة الفلسفة وحرية التفكير ، وفى الجلسة الأخيرة قدم د. قاسم محبشى تحليلا نقديا للفلسفة العربية الراهنة وكان علىّ أن اختتم كل هذه القضايا بحديث عن الفلسفة ومشكلة الهوية . وهذه القضية الأخيرة بالذات قضية شائكة حيث لايخفى على أحد أننا نواجه فيها تحدى وجود لاتحدى اشكالات نظرية وحوارية ! وكم كان ضروريا أن أنتقل بالحديث من الاطار النظري عن معنى الهوية منطقيا وفلسفيا حيث تتدرج الهوية من الهوية الذاتية للفرد إلى هويته الأسرية والمجتمعية والفئوية إلى هويته الوطنية إلى الهوية العالمية ومن كل ذلك إلى الهوية المستحدثة أقصد الهوية الافتراضية ؛ فانسان اليوم أصبح يعيش بين واقعين وهويتين ؛ واقع وهوية مادية مؤطرة بالمكان الذي يعيش فيه وواقع وهوية افتراضية . إن انسان العصر الحالى يعيش الصراع بين الهويتين والطريف أنه يشعر مع حياة الهوية الثانية أنه أكثر حرية وأكثر انطلاقا . أما مشكلة المشكلات فى قضية الهوية فهى مشكلة الصراع بين الهويات التى لم تعد مقصورة على الصراع بين الهويات المختلفة ثقافيا وحضاريا بل امتدت لتشمل الصراع بين الهويات الفئوية المتعصبة رغم الاشتراك فيما بينهم  فى الانتماء الثقافى والدينى والحضارى وأسوأ مثال على ذلك الصراع الهوياتى الفئوي موجود فى عالمنا العربي والاسلامى فبدلا من أن يوحدنا الدين واللغة والثقافة اتخذنا من الاختلاف على تفسير حدث أو أية تكئة لصراع دموى بين شيعى وسنى وكردى.. الخ.

ولن تحل هذه الصراعات الفئوية المتعصبة إلا بإعمال العقل والحوار بين تلك الفئات المتصارعه ليدركوا حينئذ أن اختلاف التفسيرات بل وحتى اختلاف الهويات  لاينبغى أن يفسد للود قضية وليكن مصدر ثراء وليس أساسا للصراع والحروب .  ومن هنا تأتى أهمية الفلسفة والتفلسف ، فلو كنا تربينا على إعمال العقل والحوار لتعودنا على احترام كل الأراء ولما تحول الاختلاف فى الرأى إلى ارهاب الآخر وتكفيره . ولذا كانت أهم توصيات هذا المؤتمر هى الدعوة إلى ضرورة تدريس الفلسفة والمنطق والتفكير الناقد فى مراحل التعليم الأساسية فى بلداننا العربية والدعوه إلى ضرورة فتح أقسام للفلسفة فى كل الجامعات العربية ليتخرج فيها دعاة التنوير ورسل الدعوة إلى إعمال العقل والحواركأداة لحل كل المشكلات . وحينئذ سيكون مستقبل الأمة واعدا ومبشرا ..