رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

لكلِّ شىء أب، ولا يمكن أن نتخيَّل كائنًا أو مخلوقًا بلا أب. هكذا اقتضت شريعة الحياة ومنطق العقل. ومع ذلك فإنَّ تاريخ الإنسانية كما يذكر بعض علماء الأنثروبولوجيا لم يبدأ بالنظام الذكورى، وإنَّما البداية كانت مع النظام الأمومى. وهذا ما يؤكده بعض المفكرين مِمَّنْ تأثروا بنظرية التطور، وعلى رأسهم «باخوفن» الذى نشر عام 1869 كتابًا بعنوان «حق الأم»، وهو يُعَدُّ فتحًا جديدًا فى هذا المجال. ومن المفكرين العرب الذين مضوا فى هذا الاتجاه العلامة السورى «فراس السواح» فى كتابه «لغز عشتار» أو «الألوهية المؤنثة». وفى هذا الكتاب يؤكد السواح أنَّ مغامرات العقل الأولى مع المقدس بدأت بعبادة الأم الكبرى، التى كانت دائمًا ترمز إلى الأرض، وإلى الخصوبة، وإلى الميلاد، واتخذت أسماءً متعددة فى الحضارات القديمة، مثل: عشتار، أنانا، عناة، عستارت، نوت، إيزيس، هاتور فى حضارات الشرق. وديميتر، وجيا، ورحيا، وأرتميس وأفروديت عند الإغريق. وسيريس، وديانا، وفينوس عند الرومان. واللات، والعزة، ومناة عن العرب. وكالى فى الهند. أسماء متعددة ومتنوعة، ولكن الإلهة واحدة قولًا وفعلًا فى تلك الحضارات القديمة.

والواقع أنَّ عملية انتزاع الذكر لسلطة الأنثى الدينية والدنيوية قد اتخذت مراحل متعددة انتهت بالانقلاب الكبير الذى على أثره تسلم الرجل دفة القيادة من الأنثى ومؤسسًا بذلك المجتمع الذكورى البطريركى. ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن هيمنت الثقافة الأبوية الذكورية على مجمل مراحل التاريخ الإنسانى، ولأنَّ الذى يكتب التاريخ هم الرجال كما يذهب «عبد الله الغذامي» فى كتابه «المرأة واللغة»؛ لذلك كان التاريخ ذكوريًّا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وبرغم أنَّ العنوان الذى تخيرناه موضوعًا لهذه الدراسة يستدعى على الفور «فرويد»، خاصة أنَّه تصدى لهذا الموضوع فى العديد من مؤلفاته، مثل: «التوتم والتابو»، و«مستقبل وهم»، و«الحضارة ومنغصاتها»، و«موسى والتوحيد»، ومقالته عن «جريمة قتل الأب عند فيدور دوستويفسكى» ومع ذلك فإننا لن نلزم أنفسنا بالتحليل الفرويدى، وخاصة أنَّ فرويد من وجهة نظرى لم يستطع قتل الأب؛ إذ ظل شبح الأب القتيل ممتدًا ومستمرًا لديه عبر ثلاث مؤسسات أبوية: المؤسسة الأخلاقية المرتبطة بحظر الاتصال الجنسى بالمحارم، والمؤسسة الاجتماعية التى نشأت من خلال ميثاق التعاون والتصالح بين الأبناء والقاتلين، والمؤسسة الدينية التى ولدت من رحم الأب القتيل فى صورة الأب التوتمى، التى تستمد قوتها وسحرها من عذاب الإحساس بالندم، ومن الخوف من الخصاء، ومن الرغبة المتأججة لممارسة التضحية، وتقديم القرابين تكفيرًا عن الجريمة النكراء.

إنَّ فرويد الذى ارتبط اسمه بالأوديبية وبقتل الأب لم يستطع برغم كل شىء أن يتخلص من هيمنة الأب الثقافى وسيطرته، والحضارة لديه ذكورية تتأسس على آلية الكبت وقمع الجسد وترويضه. والابن عند فرويد يتماهى مع الأب، ويتمثل صورته الذكورية. والأب يعيد إنتاج نفسه فى الأبناء والأحفاد إلى ما لا نهاية. وأظن أنَّ فرويد نفسه كان أبًا ذكوريًّا حتى النخاع، وحتى تلاميذه لم ينجحوا فى الإفلات من سحره ومن سيطرته، وحتى هؤلاء الذين أتيحت لهم فرصة التمرد عليه، والخروج على تعاليمه ومسلماته من أمثال ماركيوز، وجاك لا كان، وبول ريكور، وميشيل فوكو، وغيرهم لم يستطيعوا التحرر من مصطلحاته ومقولاته التى ابتكرها بعبقرية فائقة، وهذا موضوع يحتاج فى رأيى إلى دراسة مستقلة.

نأتى إلى هذه الدراسة التى بين أيدينا، ونبدأ بالجزء الأول فى هذا العنوان، وهو: «قتل الأب» ما المقصود بقتل الأب؟

ترى ماذا تعنى دلالات قتل الأب فى هذا المقال؟

هذا ما سنجيب عنه فى المقالات القادمة..