رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

طلة

أول شيء يفعله المواطن الأمريكى فى يومه قبل أن يتوجه إلى عمله هو ان يتفقد صندوق البريد الخاص به، وهو نفس الشيء الذى يفعله عند عودته من العمل. لكل امريكى صندوق بريد خاص به على الرصيف الذى تقع عليه شقته أو بيته، فإذا كان فى البيت ست شقق مثلا كان لكل شقة الصندوق الخاص بها على الرصيف، دون زحمة او تكدس بل تتراص الصناديق فى منظر جميل يزيد من حلاوة المنظر العام للشارع والرصيف، مهما كان حجم الشارع صغيرا فهو يشمل حارتين ذهابا وايابا وجانبين لركن السيارات ورصيفا جميلا صالحا للاستخدام الآدمى، سواء كنت راجلا أو راكضا أو راكبا دراجة. المسألة مسالة نظام وثقافة قبل أن تكون مساحة أو إمكانيات.

لا يزال للبريد فى الولايات المتحدة بريقه، ورغم انتشار وسائل التواصل الاجتماعى والبريد الاليكترونى يظل البريد هو الوسيلة الأهم فى تواصل مؤسسات الحكومة، وكذلك القطاع الخاص مع المواطن الأمريكى، لذا يتبع البريد هنا الحكومة الفيدرالية وليس القطاع الخاص. لو ساقتك قدماك لزيارة أحد مقرات مصلحة البريد لظننت أنك أخطأت الطريق ودخلت متحفا من المتاحف الرائعة التى تمتلئ بها المدن الأمريكية خاصة فى العاصمة واشنطن. الهدوء الشديد والنظام والجمال الواضح الذى يغلف المكان والخدمة التى تتم على أكمل وجه وبسرعة خيالية. منظر يدفعك فورا للحسرة عندما تتذكر تكدس اهالينا الكرام من أصحاب المعاشات أمام مكاتب البريد كل شهر لصرف رواتبهم. نعم تم تطوير كثير من مكاتب البريد فى مصر وهو شيء نعتز به لكن يبقى ضرورة تطوير ثقافة التعامل مع اصحاب المعاش الذين قدموا كل حياتهم فى الوظيفة وآن الأوان لأن نكرمهم وعلى الأقل نضمن وصول مستحقاتهم لهم بعزة وكرامة فى عموم البلاد وليس فى بعض المكاتب النموذجية فقط، ولا داعى لأن نضيف لهم هموما على همومهم.

ثقافة التعامل بالبريد حتى بين المواطنين الأمريكيين مع بعضهم البعض تجعلك تندهش من إصرارهم عليها ولم يقلعوا عنها مع انتشار التواصل الاجتماعى وطرق الشات المختلفة أو حتى البريد الاليكترونى. لا يزال الأمريكيون يكتبون لبعضهم خطابات. ويحرص كل أب وأم على أن يرسلوا لأولادهم ولذويهم بطاقات معايدة فى أعياد ميلادهم. وشيء معتاد إذا سافر امريكى خارج مدينته أن يرسل لأحبابه وأصدقائه كارت بوستال يحمل صورة لأحد معالم المكان الذى سافر إليه مكتوبا عليه من الخلف كلمات رقيقة عن افتقاد ذلك الشخص وكم يتمنى لو كان معه يشاركه فى تلك الرحلة. تلك الكروت يعتبرها الناس فى أمريكا علامة اهتمام ويعتبرها العشاق دليلا على الشوق الملتهب والافتقاد فى البعد، أما الأولاد والبنات فتعتبر أن هناك مشكلة كبيرة فى مشاعر امها او ابيها إذا كان بعيدا عنها ولم يرسل لها بطاقة معايدة فى عيد ميلادها، وربما لا ابالغ أن هذا الكارت يفوق فى قيمته اى هدية مادية قد يفكر الوالد فى جلبها لابنه أو لابنته.

لم يتحول البريد فى أمريكا إلى موضة قديمة رغم كثرة المنافسين، والبوسطجية لا يشتكون من «كتر مراسيلى». ولم تعد مجرد ذكرى من الماضى. شعرت بالحرج عندما سألت نفسى عن آخر مرة كتبت فيها خطابا ورقيا لأحد ثم كتبت العنوان على المظروف وذهبت لمكتب البريد واشتريت طابع بوستة وألصقته عليه ثم وضعته فى الصندوق.

لماذا لا نعيد تلك الثقافة من جديد لنسترد معها تلك المشاعر الجميلة التى كانت تنتابنا ونحن نرسل أو ننتظر خطابا. ليتنا نفعل ذلك، إذ ربما تكون وسيلة ناجحة وناجعة لمواجهة الآثار السلبية التى تقع علينا من سيل الخطابات الحكومية التى نتلقاها لسداد ما علينا من مديونيات للحكومة!

[email protected]