رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الخنزير جنس من الثدييات ذوات الظلف غير المجترة، ومنشأه العالم القديم فى قارات آسيا وإفريقيا لاسيما فى المناطق الموحلة ومناطق السافانا، كما يتواجد أحد أنواع الخنازير فى أوروبا.

الاسم العلمى Sus، واستؤنست عدة أنواع منه للاستفادة منه فى الاقتصاد المنزلى والزراعى، حيث يستخدم لحمه كطعام وجلده وشعره كطعام، وبعض أجزائه تستخدم لأغراض صناعية، ويعدّ ثروة حيوانية.

«شعرة من جلد خنزير»، تطلق كراهة على الحلال مستخرج من لحم حرام، ربما لم يلق حيوان فى التاريخ الإنسانى ما لقيه الخنزير من تحقير، صار حقيرًا مستحقرًا، ويضرب به المثل فى الحقارة، ومنذ آلاف السنين ظهر حيوان الخنزير كحيوان ملعون، محرم ومكروه فى الأديان الإبراهيمية، حتى الحضارات القديمة كالفرعونية والإغريقية وحضارة كنعان وبلاد الرافدين!

لم يسلم الحيوان المستأنس من الكراهية الدينية والمجتمعية، اليهودية تحرمه، وحرم على المسلمين أكل لحم الخنزير، حيث حرم الله سبحانه وتعالى أكل لحم الخنزير وقد سار على ذلك جميع المسلمين، استنادًا لعدد من الآيات القرآنية مثل «إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ» (سورة البقرة / ١٧٣).

إذا ذكرت الخنزير حك المسلم رأسه وتحسس إيمانه، وتجسد الحرام أمامه، فكرهه، وتعمقت الكراهية بمضى العقود، فصار من المكروهات، واغتبط البعض بإعدام قطعان الخنازير تحت تأثير جائحة إنفلونزا الخنازير (٢٠٠٩)، وكادت الخنازير تنقرض تحت وطأة الكراهية الدينية.

أخيرًا، نجح فريق طبى أمريكى فى تعديل جينات الخنزير بحيث لم تعد أنسجته تحتوى على جزيء معروف بأنه يؤدى فى الأغلب لرفض الجسم للعضو المزروع على الفور، وأجرى الأطباء عملية نقل «كلية خنزير» إلى مريضة متوفاة دماغيًا ظهرت عليها علامات ضعف فى وظائف الكلى ووافقت أسرتها على التجربة قبل أن يتم رفعها من على أجهزة الإبقاء على قيد الحياة.

قامت الدنيا فى مصر ولم تقعد حتى ساعته، بين رافض لهذا العضو من هذا الحيوان النجس، وبين قائل إن فى الخنزير منافع تستوجب الإيجابية المشروطة باستخدام أعضاء الخنزير فى التداوى والإبقاء على الحياة، وكل طرح منهجه وفهمه للقضية الطبية من وجهة نظر فقهية دون اعتبار للحاجة الطبية الماثلة لأعضاء الخنزير للحفاظ على الحياة.

اختلف الفقهاء قعودًا، فيما اجتهد فيه العلماء والأطباء فى المعامل، ودخل على الخط من يكره الخنزير كراهية التحريم، علمًا بأنه لم يقل أحد بجواز أكل لحمه، فهذا محرم بنص قطعى، ولكن قال البعض باستخدام أعضائه طبيًا وفق احترازات، واشتراطات طبية، فلماذا تقييد المنجز العلمى الطبى بمظنة تحريمية قياسًا.. وفيها قولان؟!

رهن التقدم العلمى والطبى المتسارع بالفقه القولى القاعد عن الاجتهاد، يضعنا خارج التاريخ، العلماء يجاهدون فى إنقاذ الأرواح المعذبة مرضيًا، والفقهاء يحرمون ما انتهى إليه العلم، العلماء ينفقون أعمارهم فى محاولات مضنية تكلف مليارات من الدولارات بحثًا عن علاج نافع للبشرية، والفقهاء لايزالون مختلفين، اختلافهم فى هذه القضية تخلو من الرحمة بالمرضى فى غرق الإنعاش.

تخيل فقيهًا يحرم ويمضى إلى حال سبيله، ويترك حَيَوَات (جمع حياة) فى حالة احتضار تأسيسًا على حرمة أكل لحم الخنزير، علمًا بأن المريض لن يأكل لحم الخنزير ولكن سيستشفى بعضو حى منه، ويفجعه فقيه بالقول، كيف لمسلم أن يعيش وفى جسده عضو (نجس)، وكيف يتطهر والنجاسة عالقة بكليته، وكل جسد ينبض بحرام فالنار أولى به.. يموت أحسن!

فى مثل هذه الأجواء المشحونة بالكراهية لحيوان (مخلوق) يمضى العلماء فى طريقهم لا يلتفتون لتفسيرات الفقهاء، ونتخلف نحن عن الركب الطبى، ونفقد أرواحًا غالية تحت مظنة تحريمية حسمها الأزهر الشريف بفتوى معمقة بشأن لقاح مستخرج من الخنزير ننقل منها طرفًا : «من الضرورة الوقاية من الأمراض؛ فيباح التداوى بشروط هى أن يتعين تناوله (لقاح أو عضو) وسيلة للوقاية من الوباء أو لمكافحته، بألا يتوفر لقاح آخر يكون خاليًا من المحظور، وألا يترتب على استخدامه ضرر آخر مساوٍ له، أو أزيد منه، ويهيب الأزهر الشريف بالمراكز البحثية العمل على إنتاج لقاحات أخرى فعالة خالية من المشتقات المحظورة»، موضحًا أنَّ نفس الأمر ينطبق على العمليات الجراحية، فالحكم الشرعى هو الجواز للضرورة.